ج١ص١٩
وطلبا لعبادتهم فهو تكليف، ثم إنّ تفسير التعبد بالتكليف لا تساعده اللغة إلا أن يقال هو تفسير له بلازم معناه، وحقيقته اتخذه عبداً، أو تضمين لتعذيه بالباء كذا قيل.
( وأنا أقول ) الذي دعا الشريف وغيره لتفسير التعبد بما ذكر أنه ليس المراد مطلق التنسك
لتقييده بأمر الله ونهيه، بل تعبد المرء تنسكه بما كلفه الشارع به، فتفسيره بالتكليف إمّا لأنه
أظهر في العبادة المقصودة هنا سواء كانت الآية تعليماً للعباد أم لا نعم إذا كانت تعليما كانت
أظهر وأنور فهو كقولهم حصول الصورة أو هو حقيقة لغة قال السمين في " مفرداته " : قوله
تعالى :﴿ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [ الشعراء : ٢٢ ] أي اتخذتهم عبيداً وقيل ذللتهم ذلة
العبيد وقيل كلفتهم الأعمال الشاقة التي يكلف مثلها العباد، وبهذا وقفت على ما في كلام هذا
القائل، وأن قوله لا تساعده اللغة من قصور الباع وعدم الإطلاع، ثم إنّ الإيمان بالله ورسله
داخل في التعبد، لأنه مع توقف العبادة عليه مأمور به في آمنوا بالله ورسله، فلا يتوهم أنه
خارج وهو أجل المقاصد، واشتمالها على الثناء من الحمد واجراء الصفات المذكورة، والتعبد
في قوله :﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ كما مرّ وفي قوله :﴿ الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ﴾ إن أريد به ملة الإسلام،
وقيل : هو في قوله الحمد لله لأنه بتقدير قولوا وفيه نظر، وأمّا الوعد والوعيد، ففي قوله :
﴿ أَنعَمتَ ﴾ و ﴿ المَغضُوبِ ﴾ عليهم أو في يوم الدين والجزاء لتناوله الثواب والعقاب، ولما كانت
مقاصد الأمور نتائجها والنسل أعظم المقاصد ونتيجة مقذمات الأعمار شبهت بالولد، ولذا
سمي نتاجا ووجه الشبه ظاهر كما قيل :
لنامن بنات الفكر نسل بهانسلو
وإنما كانت هذ. مقاصد وأصولاً، لأنه أنزل إرشاداً للعباد، إلى معرفة المبدإ والمعاد
ليؤدّوا حق المبدإ بامتثال أوامره ونواهيه، ويدّخروا للمعاد مثوبة كبرى، ولأنه كافل لسعادة
الإنسان، وذلك بمعرفة مولاه، والتوصل بما يقرّ به والتنصل عما يبعده منه، والباعث عليه
الوعد والزاجر عنه الوعيد، والا حجب عن نور الأنوار، وهوى في ظلمات بعضها فوق
بعض، وأمّا الدعاء والسؤال، فوسيلة يعتبر منها ما تعلق بالمعاد، ولا يرد اشتمال غير هذه
السورة على مثل ما ذكر لأن وجه التسمية لا يلزم اطراده ولأنها استحقته بالسبق إليه، والترتيب
الخاص والإجمال المفصل في غيرها فضاهت مكة في تسميتها أمّ القرى لما تقذمت، ودحيت
الأرض عنها، وتمام تفصيله في شروج الكشاف، وفي بعض الحواشي أنّ ابن سيرين كره
تسميتها أمّ القرآن والحسن البصري تسميتها أمّ الكتاب، وردّ بثبوته في الصحيحين وغيرهما
كحديث " الحمد لله أمّ القرآن وأمّ الكتاب " ( ١ ( قوله :( أو على جملة معانيه الخ ) الجملة بمعنى
الجميع، وبمعنى الإجمال والمراد الثاني، والحكم جمع حكمة وهي لغة العلم الحق المحكم
عن قبول الشبه، ولذا فسرها ابن عباس في قوله عز وجل :﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [ البقرة : ٢٦٩ ] بعلم القرآن وفسرها الحكماء بمعرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه بقدر الطاقة البشرية، وهو قريب مما قبله، والنظرية نسبة للنظر بمعنى الفكر والمراد ما لا تعلق له بالعمل من العقائد الحقة الشاملة لأمر المعاد والنبوّة وسائر الإلهيات ونحوها مما المقصود منه بالذات العلم دون العمل، والأحكام مرّ تفسيرها، والعملية منها العبادات، وكل ما ذكر في الفروع، والأوّل مستفاد من أوّل السورة إلى قوله :﴿ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ والثاني من قوله :﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ وما بعده، وسلوك الطريق المستقيم من قوله اهدنا الصراط، والإطلاع بتشديد الطاء افتعال من طلع ظهر، وبسكونها أفعال منه والأوّل أظهر وهو من قوله :﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ ﴾ الخ وفيه، وعد ووعيد فدخلا فيه، والأمثال والقصص المقصود بها الاتعاظ، وكذا الدعاء واك اء فهذه جملة المعاني القرآنية إجمالاً مطابقة، والتزاما فقوله من الحكم بيان لجملة وقوله :( التي الخ ) في موصوفه احتمالات، لأنه يحتمل أن يكون صفة جملة أو معان أيضاً المبينة بالحكم، والأحكام فيكون في المعنى صفة لهما من غير تكلف، كما في القول بأنه صفة لهما معا وليس صفة للأحكام وحدها كما في بعض الحواشي قيل : لأن السلوك شامل للنظرية والعملية، وقيل لأنه لا يصح الحكم عليها بأنها سلوك الطريق المستقيم، لأنه العمل لا الحكم يخحتاج إلى تقدير مضاف أي أحكام الخ، وكلاهما على طرف الثمام، ومنهم من جعل المشير إلى الأحكام العملية الصراط المستقيم، وإلى النظرية ذكر السعداء والأشقياء على أنه لف ونشر غير مرتب مع أنّ ذكر الصفات دال على ما هو من الحكم