ج١ص١٩١
والضلال، ولا شك أنّ عدم الوصول معتبر في مفهوم الضلال، فلو لم يعتبر الوصول في مفهوم الضلال لم يتقابلا، وأورد عليه أنّ المقابل للضلال هو الهدي اللازم الذي بمعنى الاهتداء مجازا، أو اشتراكا وكلامنا في المتعدي، ومقابله الإضلال، ولا استدلال به إذ ربما يفسر بالدلالة على ما لا يوصل لا بجعله ضالاً أي غير واصل وأجيب بأنه لا فرق بين اللازم والمتعدّي في باب المطاوعة إلا بأنّ الأوّل تأثر، والثاني تأثير فإذا اعتبر الوصول في اللازم كان معتبراً في المتعدي أيضاً وحينئذ يكون الضمير في مقابله راجعا إلى اللازم على طريق الاستخدام، وهو فاسد لأنّ التمسك بالمطاوعة وجه مستقل، فذكر المقابلة حينئذ مستدرك، فإنّ اعتبار الوصول في الاهتداء مستغن عن الدليل كذا قاله قدس سرّه، وقيل : عليه اعتبار عدم الوصول في مفهوم الضلال ليس لكونه فقدان المطلوب بل فقدان طريق من شأنه الإيصال إليه، كما صرّح به الثقات، وفي الإضلال لاراءة ضده، فمقتضاه كون معنى الهداية اللازمة وجدان طريق من شأنه الإيصال، ومعنى الهداية المتعدية الدلالة على ذلك الطريق، ولو سلمناه، فاستعمال الهداية في أحد فرديها بقرينة المقابلة والكلام في مطلقها.
وههنا أبحاث :
( الأوّل ) أنه إذا فسرت بمطلق الدلالة على ما من شأنه الإيصال أوصل أم لا، وفسر الضلال المقابل لها تقابل الإيجاب والسلب بعدم تلك الدلالة المطلقة لزم منه عدم الوصول لأنّ سلب الدلالة المطلقة سلب للدلالة المقيدة بالموصلة إذ سلب الأعمّ يستلزم سلب الأخص كالحيوان، والإنسان، فليس في هذا التقابل ما يرجح الثاني كما لا يخفى، وقوله : فلو لم يعتبر الوصول لم يقع في حيز القبول.
( الثاني ) أنّ قوله لا فرق بين اللازم والمتعدي في باب المطاوعة مبنيّ على أنّ المعنى المصدري أمر نسبي بين الفاعل والمفعول متحد بالذات مختلف بالاعتبار كالتعليم والتعلم، وهو وأن اشتهر مشكل لأنّ الأوّل صفة قائمة بالأستاذ، والثاني صفة قائمة بالتلميذ فيلزم أمّا قيام الصفة الواحدة بمحلين متغايرين أو اتحاد، وصفين ونسبتين متغايرتين وكلاهما ظاهر الفساد وقد أجاب عنه بعض الفضلاء بأنّ معنى كونهما واحداً أنّ في المتعلم حالة مخصوصة يسمى قبولها تعلماً، وتحصيلها له تعليما ولا استحالة في قيام صفة واحدة بالذات بمحل يكون لمباينة
معها تعلق التحصيل والتأثير كما هو الواقع في جميع تاء المطاوعة، ولم يريدوا أنّ النسبتين واحدة لأنهما بالضرورة متغايرتان، ففي كل طرف غير ما في الطرف الآخر، ولكن متعلقهما صفة واحدة قائمة بطرف واحد فلا يرد عليه شيء.
( الثالث ) إنّ القول بفساد الجواب لاستدراك المقابلة، ولأنّ التمسك بالمطاوعة وجه مستقل مدفوع بأنهما متغايران بالإعتبار، فإنّ مقابلة الضلال المعتبر فيه عدم الوصول تدل على اعتبار الوصول في الهدي أخذاً من مقابله وضده :
وبضدها تتبين الأشياء
والمطاوعة الدالة على الوصول تدلّ على اعتباره فيه باعتبار أنه لازم له لا ينفك عنه، فالفرق مثل الصبح ظاهر. قوله :( ولأنه لا يقال مهديّ إلخ ) وفي الكشاف : ويقال : مهديّ في موضع المدح كمهتد، ولا يمدح إلا بالوصول إلى الكمال، واعترض بأنّ التمكن من الوصول أيضا فضيلة يصح أن يمدح بها، وبانّ المهدي فيما ذكر أريد به المنتفع بالهدي مجازاً، ودفع الأوّل بأنّ التمكن مع عدم الوصول نقيصة يذمّ بها كما قيل :
ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقصالقادرين على التمام
والثاني بأنّ الأصل في الإطلاق الحقيقة، كما حققه قدس سرّه، والمراد بقول الزمخشريّ
في موضع المدح أنها صفة مادحة وضعاً، وإنما يتمدح بها بهذا المعنى فلا يرد عليه أنّ مقام المدح قرينة لذلك، وانّ المصنف لدّلك عدل عنه، فبين كلاميهما مخالفة، وقيل : عليه إنّ التمكن مع عدم الوصول ليس بنقيصة لمن هو بصدده مجد في بلوغه، وكون الأصل في الإطلاق الحقيقيّ إنما يفيد إذا اسنعمل بلا قرينة والمدح قرينة، وقد مرّ ما يعارضه من الآيات، وما قيل من أنه مجاز عن إفاضة أسباب الاهتداء، وازاحة العلل ردّ بأنّ الأصل الحقيقة، ولولا قرينة الضدح والمقابلة لم يتبادر منه إلا مطلق الدلالة وعليه أكثر أئمة اللغة والتفسير ولا يضرّ. مخالفة الزمخشريّ، فلذا أخره ومرّضه، وكون المهدي لا يستعمل إلا بمعنى المهتدي غير مسفم عندهم.
( بقي هنا دليل ) تركه المصنف، وهو إن اهتدى مطاوع هدي، والمطاوعة حصول الأثر
في المفعول