ج١ص١٩٧
والاحتراز، وأصل معناه الأخذ في جانب غير الجانب الذي هو فيه ويؤثم تفعيل من الإثم أي يوجب استحقاق الإثم أو يوقع فيه. وقوله :( من فعل أو ترك ) لأنّ ما به حصول الإثم عام يتناولهما معاً، ولذا قيل إنّ حق العبارة وترك بالعطف بالواو وترك أو، وقد أجيب عنه بأنه مطلق مفسر بأحدهما لكنه وقع بعد ما يتضمن النفي فيفيد الإستغراق كأنه قيل : لا يفعل ما يؤثم من فعل أو ترك أي لا يفعل واحدا منهما كما في قوله :﴿ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا ﴾ [ الإنسان : ٢٤ ] وسيأتي تحقيقه إن شاء اللّه تعالى في محله، والمراد بكلمة التقوى في قوله تعالى :﴿ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ﴾ [ الفتح : ٢٦ ] كلمة التوحيد، وهي لا إله إلاً الله، وسيأتي بيانها، وكون التقوى فيها بمعنى الإيمان ظاهر. قوله :( حتى الصغائر ) في كون اجتناب الصغائر مشثروطاً في وجود التقوى وتحققها قولان فإذا لم يجتنبها هل يقال له متق أم لا، والكلام فيما إذا لم يصرّ عليها وتغلب على حسناته، كما ذكره الفقهاء في كتاب الشهادة، وقالوا : إنه حينئذ تسقط العدالة، وقيل : إنّ هدّا الاختلاف مبني على أن ما يستحق العقوبة بسببه هل يتناول الصغائر أم لا، فمن ذهب إلى تناولها قال احتياجها للتكفير دلّ على أنها سبب لاستحقاق العقوبة، ومن اختار عدمه تمسك بأنها وقعت مكفرة فلم يظهر للاستحقاق بها أثر، فكأنه لا استحقاق فلا تندرج فيما يستحق به العقوبة عند الإطلاق، وقيل : إن فرط الصيانة مقتض لاجتناب الصغائر وكذا حديث :" لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى ياع ما لا بأس به حذرا مما به باس ) ( ١ ) إن صح وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى إشارة إلى أنّ المختار أنّ
اجتنابها غير معتبر في مفهوم التقوى لا لما مرّ قبيله فإنه رأي المعتزلة بل لأنها لا تنافي التقوى ومرتكبها لا يخرج عن زمرة المتقين والاً لخرج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لعدم عصمتهم عنها عند الجمهور ولأنه قلما يخلو عنها أحد متق والحديث محمول على أكمل المراتب، وهي المرتبة الثالثة، وما زعمه من أنه مذهب المعتزلة ليس كذلك فإنه عليه كثير من المحدثين، وأهل السنة، ولا وجه لتردّده في صحة الحديث مع رواية الترمذي له، وورود ما يعضده مما هو بمعناه في الأحاديث الصحيحة. وقوله :( والمعنئ إلخ ) المعنيّ بكسر النون وتشديد الياء اسم مفعول أي المقصود لأنّ عطف اتقوا على آمنوا يؤذن بأنّ المراد بالتقوى فيه الإتيان بالأعمال الصالحة وتجنب المعاصي. قوله :( أن يتنزه عما يشغل سرّه إلخ ) أي يبعد نفسه عن ذلك، لأن أصل معنى التنزه البعد كما حقق في اللغة، ويشغل سرّه بمعنى يلهيه يقال شغله الأمر شغلاً من باب نفع، والاسم منه الشغل بالضم وشغلت به أي تلهيت، والسرّ الحديث المكتوم في النفس قال تعالى :﴿ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ ﴾ [ صورة التوبة : ٧٨ ] والمراد به محله من القلب أو الفكر، والحق الظاهر أن المراد به هنا الله تعالى. قال الراغب : الحق الموجد للشيء بحسب ما تقتضيه الحكمة، ولذلك قيل في الله تعالى هو الحق، ويجوز أن يراد به معناه المعروف إلا أنّ المنايسب للتبتل هو الأوّل لأنه الانقطاع إلى الله تعالى بالعبادة، واخلاص النية انقطاعاً يختص بالله لأنّ معنى البتل القطع كالبت. قوله :( بشراشره ) أي ينقطع إليه بكليته ونفسه قال صاحب القاموس في شرح الديباجة : الشراشر الأثقال الواحدة شرشرة يقال : ألقى عليه شراً شره أي نفسه حرصا ومحبة وشراشر الذنب ذباذبه، وقد مرّ الكلام فيه مفصلاً في آخر شرح الديباجة. قوله :( وهو التقوى الحقيقي إلخ أليس المراد بالحقيقي مقابل المجازي، بل هو مبالغة في الحقيق كدواريّ أي الأحق بتسميته تقوى، لأنه تقوى خواص الخواص، وإنما فسر هذه الآية به لأن مقتضى النظم المبالغة في التقوى، كما في حق اليقين والأمر فيه للندب لا للوجوب حينئذ، لأنه يلزم أن يأثم كثير من المؤمنين بل هو للحث على تكميل النفس وقطع المراتب ومثله كثير، ولا ينافيه تفسير المصنف رحمه الله هذه الآية بقوله :﴿ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [ آل عمران : ١٠٢ ] حق تقواه وما يجب منها، وهو استفراغ الوسع في القيام بالمواجب، والاجتناب عن المحارم وقيل إنها منسوخة بقوله تعالى :﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [ التغابن : ١٦ ]
وفي الكشاف يطلق على الرجل اسم المؤمن لظاهر الحال والمتقي لا يطلق إلا عن خبرة كما لا يجوز إطلاق العدل إلا على المختبر. قوله :( وقد فسر إلخ ) فمعناه على الأوّل ذلك الكتاب هدى لمن اتقى الشرك فأمن، وعلى الثاني هدى لمن اتقى جميع الآثام، وعلى الثالث هدى لمن لم يشتغل عن مولاه وانقطع عما سواه، ويجوز أن يفسر بما يعمها، وهذا كله مأخوذ من