ج١ص٢٠١
فإنه لا يليق، وقد مرّ وجه آخر فتذكره، وإنما لم يقدم هذا على قوله ولا ريب، وينظمه في سلك الوجهين السابقين، لأنهما يعمان الاحتمالات، وهذا خاص بما إذا أريد بألم القرآن كما تنطق به عبارته، وفصله وقيل : إنه أخره إيماء إلى ضعفه، لأنّ ألم إذا كان اسما للسورة، وذلك إشارة إليها كان حصر الكمال فيها إثباتاً للنقصان في سائر السور، فإنها المقابلة لها دون الكتب السالفة، فأما ملاحظة الحصر في السورة باعتبار قرآنيتها لا خصوص كونها سورة، وأن يراد بالسورة القرآن مجازاً، فخلاف الظاهر، ويستأهل بمعنى يصير أهلا المراد به يستحق كما مرّ تفصيله، ولك أن تقول أخره لأنّ ما يليه مبني عليه. قوله :( والأولى أن يقال إلخ ) متناسقة بمعنى متناسبة مرتبطة بدون عاطف من نسقت الدر إذا نظمته، ومنه عطف النسق ففي قوله متناسقة إيهام نسق العطف وليس بمراد لأن اللاحقة تقرّر ألسابقة وتؤكدها، ولما بين المؤكد والمؤكد من الاتصال لا يعطف أحدهما على الآخر كما اتفق عليه
أهل المعاني، وإن صرّح النحاة بخلافه في نحو ﴿ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ﴾ [ النبأ : ٤- ٥ ] كما سيأتي، ولما ذكر ما ذكره من الإعراب الناظر للمفردات، وكان المتبادر منه أنها جملة واحدة، أو في حكمها كما سيظهر للنظر الصادق فيما قدمه أشار إلى أنه لا يليق بجزالة البلاغة، وفخامة المعنى، ومقتضاها أن تجعل جملاً متعددة، فبين ذلك بوجهين وقال فالم إلخ، بالفاء التفصيلية. قوله :( جملة دلت إلخ ( كونه جملة اصطلاحية حقيقة إن قدّر خبراً أو مبتدأ، وجعل علما، فإن أريد به طائفة من الحروف للإيقاظ، وأولت بما مرّ فهي في حكم ذلك إن قلنا لها محل من الإعراب، فإن لم نقل به لا يتأتى ما ذكر وإليه أشار بقوله على أنّ المتحدي به هو المؤلف وفي الكشاف نبه على أنه أي ( ألم ) الكلام المتحدّى به فجعل ألم هو المبتدأ والمتحدي به خبره المقدر والمصنف عكسه، ففيل في وجهه إنه نظر إلى أنّ اتصاف الكتاب بأنه المتحدى به معلوم مكشوف دون اتصافه بأنه المؤلف من جنس ما يركبون منه كلامهم، ولا يخفى ما فيه، فإنّ كونه مؤلفاً من جنس الحروف لا غطاء عليه حتى يكشف بل الظاهر أنه غير مفيد فائدة تامة لظهوره، فلذا أخبر عنه بما ذكر ليجدي، وهذا ا ظاهر محلى إرادة الحروف، وعلى العلمية لإشعارها بذلك كما مرّ، ولم يلتفت لبقية الأقوال لضعفها عنده. قوله :( مقرّرة لجهة التحدي إلخ ) بأنه متعلق بقوله مقرّرة، واتصافه بغاية الكمال في لفظه، ومعناه فهو هاد بالمعنى، والعبارة بخلاف غيره من الكتب، فلا يقال : كيف يفضل بكماله في التحدي على غيره من الكتب ولا إعجاز لها، وفي شرح التلخيص معنى ذلك الكتاب أنه الكامل في الهداية لأنّ الكتب السماوية إنما تتفاوت بحسنها لا غير، فإن قلت : قد تتفاوت الكتب بجزالة النظم وبلاغته كالقرآن الفائق على جميع الكتب بإعجاز نظمه فلت : هذا داخل في الهداية لأنه إرشاد إلى التصديق به ودليل عليه.
( أقول ) الحروف المقطعة دالة على الأعجاز الدال على أنه ليس من صنيع البشر بل من
كلام خالق القوى والقدر على ما مرّ وهو المراد بجهة التحدي هنا، فالمقرّر المؤكد له هو كونه هاديا لجميع العباد لخيري المعاس والمعاد، فإنه مقتض أيضا لأنه أمر إلهي، فلا حاجة لإدخال الإعجاز فيما تدل عليه الجملة الثانية بل لا وجه له إذ هو مع أنه كالمصادرة غير مثترك بين الكتب، فلا يلتفت لما قيل في بعض حواشي المطوّل من أنه كلام على السند الأخص، وأن كون البلاغة سبباً في نفسها مما لا يمكق إنكاره غاية الأمر أنه صار سببا لكمال آخر هو الهداية انتهى، وفي نسخ القاضي هنا اختلاف بالزيادة والنقصان. قوله :) ثم سجل إلخ ) أي قرّره وأثبته، وفسره الشريف رحمه اللّه بحكم به حكماً قطعيا ويقال سجل مشددا
وأسجل قال المعري :
طويت الصبا في السجل وزادني ~ زمان له بالشيب حكم وأسجال
وفي شرح مقامات الزمخشريّ له يقال سجل عليه بكذا إذا شهره كأنه كتب به عليه سجلاً
اهـ. فهو استعارة للتشهير والنداء والمصنف رحمه الله استعاره للإثبات وهو قريب منه ولا حجر في المجاز وتعديه بعلى وبالباء ووجهه يعلم مما مرّ أي أظهر كماله بنفي الريب عنه فإن المعجز المرتدي بالكمال لا يرتاب فيه عاقل، وعطف هذا بثم لما بينهما من التفاوت الرتبي فإنّ ما قبله دال على الإعجاز وبلوغ غاية الكمال، وهما صفتان جليلتان