ج١ص٢٠٣
بدل الاشتمال لما بينهما من الملابسة، والملازمة فوازنه وزان حسنها في أعجبتني الجارية حسنها، فيترك العطف لشدّة الاتصال، كما قرّره أهل المعاني في قوله :
أقول له ارحل لا تقيمن عندنا
وهذا مراد المصنف رحمه لملا لا أنّ الثاني مترتب على الأوّل ترتب المدلول على الدليل، كما توهموه لقصور النظر، فورد عليهم أنّ المعروف في مثله اقتران الثاني بالفاء التفريعية كما عقال العالم متغير وكل متغير حادث، فالعالم حادث وهى وإن لم تكن عاطفة فهي أداة وصل كواو الحال، لأنّ المعتبر عندهم في مثله كونه عاطفا بحسب الأصل والصورة، فدفع بأنّ الظاهر أنه من القسم ا اثانن من الاستئناف البياني، وهو أن يكون جوابا عن سؤال عن غير السبب المطلق والخاص، كأنه لما قيل إنه متحدي به مع أنه من جنس كلامكم قيل : فما يلزم من هذا قال إنه يكون هو الكامل دون غيره، وهكذا يقدر فيما بعده إلى أن ينتهي السؤال وينقطع الجواب، ولا يخفى أنه ليس في كلامه ما يدل على ما ذكره وإنما يريد أنه لكون الجملة الثانية معناها لازم للأولى حتى كأنه مستفاد منها اقتضى ترك العطف، كما عرفته آنفا، ولم ينظر إلى تفريعه عليه حتى يقال أيضاً : إنّ الظاهر الفاء، كما في قوله ضرب فانفجرت، وقيل : إن نكتة الفصل على هذا أنّ اللاحق نتيجة السابق، فبينهما كمال الاتصال ففي هذا الوجه كل سابق مقرّر للاحق على عكس التوجيه السابق، وهو لطيف جداً إلا أنا لم نعثر عليه في كلام القوم، والمطابقة لقواعدهم جعل اللاحق مقرّراً للسابق، لأنه لكونه نتجا له متضمنا له، فذكره يتضمن ذكره والفصل على هذا الوجه، لكون اللاحقة مقرّرة للسابقة، فان قلت لم يعهد ذكر النتيجة بلا رابطة فحسن هذا التوجيه، وقبوله يتوقف على استغناء النتيجة عن الرابطة نعم لا تعطف النتيجة، لكن تربط بحرف التعقيب أوالتفريع فقد أحوجه هذا الوجه إلى نكتة ترك حرف التفريع بل إلى وجه صحته قلت : إذا قصد الاستدلال والاستنتاج، فلا بدّ من حرف التفريع، ولم يقصد هتا بل قصد الإخبار بكل جملة استقلالاً إلا أنه كان كل لاحق نتيجة للسابق، فلهذا لم يحسن العطف لعدم صحة عطف النتيجة على الدليل ولما لم يقصد الاستدلال لم يكن لإيراد حرف التفريع معنى اهـ. ولا يخفى ما فيه من الخبط، والخلط فعليك بض النواجذ على ما قدمناه والمراد بالاستتباع هنا الاستلزام كما مرّ، وفي اصطلاح أهل البديع أن يساق الكلام لمدح ونحوه ثم يلوّح ب لمعان أخر كما في قوله :
نهبت من الأعمارما لو حويته ~ لهنئت الدنيا بأنك خالد
وهو قريب منه، ويتشبث بمعنى يتعلق وهو استعارة هنا، ولا محالة بفتح الميم والبناء
على الفتح بمعنى لا بد. قوله :( وفي كل واحدة منها إلخ ) يعني أنّ هذه الجمل المتناسقة مع ما تضمنته من الفوائد الجمة في نظمها بدائع أخر، والنكتة الدقيقة اللطيفة معنوية كانت أو لفظية، والمراد الثانية وأصلها من نكت في الأرض بقضيب ونحوه يؤثر فيها، والجزالة مصدر جزل الحطب بالضم إذا عظم وغلظ فهو جزل، ثم استعير في العطاء فقيل أجزل له العطاء إذا وسعه وفي الرأي، فيقال : رأي جزل أي قويّ محكم ومنه ما هنا. وقوله :( ففي الأولى ) أي الجملة
الأولى وهي ألم على تقدير التقدير هذه ألم إن جعلت اسماً للسورة، أو أولت نكتة، وهي ما يقتضيه الحذف، وهو من الإيجاز المستحسن، وجعله نفسه نكتة تسمحا والرمز الإشارة الخفية إلى إعجازه لتحديهم بما هو من جنس كلامهم وأصله الإشارة بالشفة أو الحاجب، وهو في الاصطلاح كناية مخصوصة، وهو المراد والمقصود هر التحدي، والتعليل هو أنهم إنما عجزوا عنه لأنه كلام الله، وليس هذا التعليل البديعي المسمى بحسن التعليل، لأنهم اشترطوا فيه أن لا يكون علة في الواقع بل أمر تخييليّ ادعائي كما في قول ابن الرومي :
رأيت خضاب المرء بعد مشيبه ~ حدادا على شرخ الشيبة يلبس
والجملة الثانية ذلك الكتاب، وفخامة التعريف الجنسي لإفادته للحصر لكماله، كما مرّ وإيهام الباطل في الثالثة، وهو كون غيره من الكتب السماوية محلاً للويب وهي منؤهة عنه كما هو مسلك السكاكي، فإن حملت قوله فيما مضى لأنه لم يقصد تخصيص نفي الريب بة على هذا، فالأمر ظاهر، والاً فلما كان فيه وجثان بين أحدهما فيما مضى، والآخر هنا استيفاء للنكات، وقيل : المراد بإيهام الباطل إيهام ما ليس بمقصود، وكل ما ليس بمقصود


الصفحة التالية
Icon