ج١ص٢٠٩
فائدة، ثم إنّ المتقين إن أريد بهم المشارفون لم يحسن أن يجعل الذين يؤمنون بالغيب صفة، ولا مخصوصاً بالمدح نصباً أو رفعاً ولا استئنافاً أيضا، لأن الضالين الصائرين إلى التقوى ليسوا متصفين بشيء مما ذكر، وحمل الكلام على الاستقبال والمشارفة يأبا. سياق الكلام عند من له ذوق سليم اهـ. وقيل : يمكن دفعه بأنّ في هذا النوع من المجاز زمانين زمان النسبة وزمان إئبات النسبة، واعتبار المشارفة بالنظر إلى زمان نسبة الهدى واعتبار حقيقة التقوى بالنظر إلى زمان إثبات الهدى فلا إشكال، ونظيره أن يقال قتلت قتيلاً كفن في ثوب كذا ودفن بموضع كذا، فإنّ اعتبار المشارفة بالنظر إلى زمان نسبة القتل واعتبار حقيقة القتل، والتكفين والدفن بالنظر إلى زمان إثبات نسبة القتل، وقيل : أيضاً يمكن أن يكون المتقين مجازاً بالمشارفة، والصفة ترشيحاً له بلا مشارفة، ولا تجوّز أصلأ كما هو المعهود في ترشيح المجاز والاستعارة.
( أقول ا لا يخفى ما في هذا أمّا الآوّل فلأنّ أهل الأصول اختلفوا في أنّ المعتبر زمان الحكم، أو زمان التكلم، ورجحوا الأوّل، وما ذكره هذا المجيب منتحت من القولين، فهو بناء على غير أساس، وسقوطه ظاهر بلا التباس. وأمّا الثاني فهو إن لم يبعد عن الصواب إلا أنه مسلم للإشكال وتوجه وروده وليس كذلك لأنا إن حملنا المتقين على حقيقته فظاهر وان حملناه على المشارفة فالمشارفة ثابتة في الحال والتقوى الحقيقية عقبه، كما هو شأن المشارفة فلتعقبها لها، كأنها واقعة فيمدح صاحبها بما يتصف به بعد ذلك في المستقبل من غير محذور، وإذا علم المخاطب ثبوت وصف حميد في المستقبل لموصوف، فما المانع من المدح به كما يقول المؤمن نبينا محمد ﷺ الشفيع في المحشر، فالإشكال ليس بوارد أصلاً. قوله :( فيكون الوقف إلخ ) قال السخاوندي : الوقف إمّا لازم، وهو الذي إذا وصل غير المعنى المراد نحو وما هم بمؤمنين يخادعون الله لأنّ القصد نفي الإيمان ولو اتصل لم يفد. ، ومطلق وهو ما يحسن الابتداء به وهو الذي عناه العلامة بقوله مقتطع، وجائز وهو ما استوى وصله وفصله وهو المراد بقوله حسن غير تامّ لأنّ اعتبار الوصفية يقتضي الوصل، واعتبار الفاصلة يقتضي الفصل، وفي الكشف اعتبار الفاصلة في الوقف لا يقول به السخاوندي والكواشي،
والظاهر أنّ مثله يجوز في الآيات إذا قصد البيان خاصة لما مرّ من أنّ التامّ عند القرّاء والزمخشريّ هو الوقف على جملة مستقلة لا ترتبط بما بعدها، وأمّا الحسن فقيل : هو الوقف على جملة لها ارتباطاً بما بعدها ارتباطاً لا يمنع الاستقلال، وقيل الوقف على كلام مستقل بعده ما لا يستقل كالحمد لله وفي تسميته حسناً نظر، وعلى القطع هو في المعنى وصف، فلذا كان الوقف غير تامّ واعترض بأنه على تقدير كونه مبتدأ خبر. أولئك ينبغي أن يكون الوقف غير تامّ أيضاً لأنه استئناف على تقدير سؤال نشأ عما قبله فهو كالجاري عليه معنى، فلا فرق بينه وبين النعت المقطوع وأجيب بأنه لم يتغير في المقطوع ما قصد من إجرائه عليه في المعنى بخلاف الاسنئناف، فإنّ المقصود فيه الاخبار عنه بما بعده وان فهم وصفه به ضمنا فليس جاريا عليه معنى ورذ بأنّ ما فهم عن الزمخشريّ في تعريف التامّ، ونقل عن القرّاء كما مرّ غير صادق على المستأنف فإنه مرتبط بالمستأنف عنه معنى كما صرّح به المجيب، ولا يخفى أنّ الارتباط من الثاني لا الأوّل، والمعتبر في التامّ عكسه فتأمل. قوله :( والإيمان في اللغة التصديق ) وفي نسخة عبارة عن التصديق، فالإيمان أفعال من الأمن، وقد كان متعدياً فتعدى بالهمزة لاثنين كامنته غيري أي جعلت غيري آمناً منه، وقيل إنّ همزته تحتمل أن تكون للصيرورة كاغد البعير إذا صار ذا غدة وقول المصنف رحمه الله كأنّ المصدق إلخ يشير إلى الأوّل، وقوله بعده صار ذا أمن يشير إلى الثاني، واستعماله متعدياً لاثنين يأباه، وما توهمه وهم فإنه معنى آخر، وهمزة التعدية فيها معنى الصيرورة بمعنى الجعل كما لا يخفى، واستعماله في التصديق إمّا مجاز لغوي لاستلزامه إيا. لأنّ من صدقك أمنك تكذيبه كما يشعر به كلام الكشاف أو حقيقة لغوية، كما في الأساس ووفق بينهما بأنّ كلامه في المعنى الحقيقيّ الذي وضع له اللفظ أوّلاً في اللغة، ثم وضع فيها لمعنى آخر يناسبه، وهو دأبه في تحقيق الأوضاع الأصلية وبيان مناسبات المعاني اللغوية بعضها لبعض مع كون اللفظ حقيقة لغوية في كل منهما