ج١ص٢١١
أنّ اعتراضه بقوله إنّ المعنى المكنى إلخ لا اتجاه له إذ لا يبعد أن يلتزم في بعض الكنايات شيء، ولذا سمي باسم خاص ومنه علم أصاً أنه لا يرد على الوجه الأوّل إنه من قبيل الحذف لقرينة، فلا معنى لتسميته تضميناً.
( الثاني ) أنّ ما استظهر. بعيد لجعل المتعلق معمولاً من غير تقدير عامل لمجرّد فهم معناه
لا سيما نصب المفعول، واعمال المذكور فيه من غير استعماله في معناه، ألا ترى أنه لا ينصب بحرف التنبيه فهذا أولى.
( الثالث ) أنه يرد على الوجه الأوّل في صورة جعله مفعولاً أنّ فيه جعل الجملة مفعولاً ومعمولاً لما لا يعمل في الجمل، وتاويله بالمصدر من غير سابك مخالف لأحكام العربية، ثم كون المقدّر تابعا للمذكور أولى عنده وقد عكسه المدقق في الكشف وناهيك به، وقد تبعه هو في شرح المفتاح في أوّل القانون الأوّل، وتخصيص التضمين بالفعل في عبارته لا ينبغي فكأنه الأصل الغالب وهكذا الناس مع الغالب، وأيضا هو لا ينحصر في الطرق المذكورة ألا ترى إلى تقديرهم التضمين في قوله :﴿ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ ﴾ [ البقرة : ١٨٧ ] بالرفث، والإفضاء بالعطف وهو لم يذكر في طرقه، ومن تتبع موارد الاستعمال وجد له طرقا كثيرة، وقد ذكرنا طرفا منها في كتابنا طراز المجالى، وما قيل : من أنّ الأحسن أن يقال ويدل على الثاني إئا بذكر شيء من متعلقاته كما مرّ، أو حذف شيء من متعلقات الأوّل كما في قوله : هيجني شوقاً بحذف إلى ليس بشيء لأنّ المفعول الصريح معمول المحذوف، ومعمول المذكور لم يتعرّض له وليس من مهمات التضمين.
( الرابع ) أنّ ما ارتضاه مبنيّ على أنّ اللفظ قد يدل على معنى دلالة صحيحة بغير الطرق الثلاثة الحقيقة والمجاز والكناية، وفيه ما لا يخفى من أنّ مستتبعات التراكيب لا يمكن إنكارها، فإنها الشمس في وسط النهار إنما النظر في كونها مقصودة منه بدون الطرق الثلاث، وكونها عاملة في المتعلقات مما لا يعهد مثله في بليغ الكلام، فإن قلت كيف يكون مضمنا معنى الاعتراف، وقلما يوجد في الكلام آمنت الله بل لم يسمع أصلاً للزوم الباء فيه، وقد قال نجم الأئمة الرضى أنه إذا كان الغالب في فعل التعدية بحرف فهو لازم متعد بالحرف وأيضاً اعتبار الاعتراف يشعر بلزوم الإقرار باللسان في الإيمان شرعا على ما سيأتي بيانه فيه قلت : هذا ما أورد. بعض الفضلاء، ولم يجب عنه ولا يخفى اندفاعه فإنه مجاز وقد أجازوا فيه أن يلتؤم، وتهجر الحقيقة فأيّ مانع هنا مما ذكر خصوصاً واللزوم إنما نشأ من نقله شرعا إلى هذا المعنى
مع أنه غير مسلم، ولزوم الإقرار فيه مما ذهبوا إليه في بعض المذاهب فتأمّل. قوله :( وكلا الوجهين حسن في يؤمنون بالغيب ( أي يعترفون به أو يثقون بأنه حق، فالوثوق بمعنى اعتقاد حقيته وهذا بالنظر إلى المعنى اللغوي، وأمّا بالنظر إلى المعنى الشرعي، فالحمل على التصديق ظاهر الجرحان للإجماع على أنّ الإيمان المعتبر نفس التصديق، أو هو داخل فيه كما في الكشف. قوله :( وأمّ في الشرع إلخ ) لما كان المعنى الشرقي منقولاً من اللغوي قدمه، وبين أنّ حقيقته الأصلية جعله آمنا وقد يكون بمعنى الوثوق حقيقة، ثم إنه صار في عرف اللغة حقيقة في التصديق، وضمن معنى الاعتراف، وأمّا الشرقي فاختلف فيه أهل القبلة على عشرة أقوال أصحابها فرق أربع على ما فصله الإمام، فهو منقول من مطلق التصديق إلى التصديق بأمور مخصوصة، كما عرف في مثله من الحقائق الشرعية، والتصديق هو الإذعان والتسليم والرضا به من غير تردد وشك فيه لا مجرّد العلم والمعرفة، إذ من الكفار من يعرف الحق ولا يقرّ به عناداً، والضرورة ما لا يحتاج إلى نظر واستدلال بحيث تعلمه العامّة، وهو العلم الضرورفي المراد هنا فكونه من الدين ضروريّ، وأن كان في نفسه يتوقف على النظر والاستدلال، ويكفي الإجمال فيما يلاحظ إجمالاً ولا يشترط التفصيل إلا فيما يلاحظ تفصيلاً حتى لو لم يصدق بوجوب الصلاة عند السؤال عنه، ومجرمة الخمر إذا سئل عنها كان كماقراً، وقيل : هو التصديق بالقلب واللسان، وهو منقول عن أبي حنيفة، ومشهور عن أصحابه ومحققي الأشاعرة فهما ركنان له إلا عند العجز قال ابن الهمان : والاحتياط واقع عليه، وذهبت الكرّامية إلى أنه الإقرار باللسان فقط، فإن طابق القلب فهو ناج والأ فهو مخلد في النار، فإن قلت ما المراد من التصديق بما اشتهر كونه من الدين بحيث تعلمه العاثة من غير نظر واستدلال، فإن أريد