ج١ص٢١٧
ن مقابلة الآلة لها إذ التعدية بالمعنى الثاني موجودة فيها، إلا أن يقال المراد إفضاء معناها بحيث يصير مفعولاً به وفي الآلة ليس كذلك، وهو كلام مشوّس لأنّ ما بعد إلا هو عين ما ادّعى تعين خلافه، فالحق أنّ التعدية هنا بالمعنى الأوّل لأنّ معنى قوله يؤمنون بالغيب على الأوّل يصدّقونه، ويتيقنونه فهو مفعول به. قوله :( وعلى الثاني للمصاحبة ) قيل إذا جعلت الباء للمصاحبة لا يلزم أن يكون المتعلق محذوفاً حتى يكون حالاً لأنك إذا قلت : دخلت عليه بثياب السفر ليس معناه دخلت مصحوباً بثياب السفر لتعلق الباء بالدخول بل معنى الصحبة يدل عليه الباء، فالوجه تعلق الباء بالإيمان، وما مرّ من تقدير الحال معنى انسحابي لا من حاق اللفظ.
( قلت ) قالط نجم الأئمة الرض تكون الباء بمعنى مع، وهي التي يقال لها باء المصاحبة
نحو، وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به، واشترى النار بآلاتها قيل ولا تكون بمعنى مع إلا مستقراً، والظاهر أنه لا مانع من كونها لغواً اهـ. وما ذكره هو الذي ارتضاه النحاة، وما استظهر. بطريق البحث هو مختاره، وعليه شارح اللباب أيضاً فالحالية في كلام المصنف محمولة على ظاهره، وما ظنه تحقيقا حاله في الضعف ظاهر. قوله :( أي يعدّلون أركانها إلخ ) فسرت الإقامة بأربعة أوجه، وهي كما في شروح الكشاف على الأوّلين استعارة تبعية، وعلى الأخيرين مجاز مرسل، وقيل : هي في بعض الوجوه كناية وستسمع ذلك وما له وعليه وأركان جمع ركن كقفل وأقفال وركن الشيء جانبه ولذا اصطلحوا على عد أجزاء الماهية أركانا بخلاف ما توقف الصحة عليه ولم يكن داخلا فيها والتعديل التسوبة، وتعديل الأركان إيقاعها مستجمعة للفرائض والواجبات، أولها مع الآداب والسنن، والأوّل أوسع دائرة للمهتدين بهداية الكتاب والثاني ٣١ فائدة وأنسب بشأن الصلاح والمدح والزيغ الميل عن الاستقامة. وقوله :( من أقام العود إلخ ) إشارة إلى أنه استعارة تبعية شبه تعديل أركان الصلاة وحفظها بتقويم العود وتسويته بازالة اعوجاجه فهو قويم تشبيها له بالقائم، ثم استعير من تسوية الأجسام لتسوية المعاني كتعديل الأركان، وأخذ منه الثاني لزيادة المناسبة بين المعاني وقيل حقيقته جعلها قائمة أو قويمة، واسنعمال أقام العود بمعنى سوّاه أكثر من أقام زيداً إذا جعله منتصباً وان رجع القويم لمعنى المنتصب والحق أنه حقيقة فيما مرّ لأنّ التقويم يقع على الأجسام والمعاني على السواء بل وصف نحو الدين والرأي بالتقويم أكثر، فلا حاجة إلى الاستعارة، فكأنهم جعلوا النقل من المحسوس، وهو الانتصاب إلى المحسوس، وهو تسوية العود ونحو. ثم منه إلى المعقول وهذا ما آثره الزمخشريّ، ولا يخفى ما فيه فإنّ مجازيته في المعاني لا شبهة فيها رواية ودراية، وما ذكره لا يثبت إلا كثرة استعمالها فيها، فهو مجاز مشهور أو حقيقة عرفية وقيل إن ما استند إليه من أنّ التقويم عامّ للقبيلين من الأعيان، والمعاني وحقيقة فيهما لا يستلزم كون الإقامة كذلك إذ معناها جعل غير المستقيم مستقيما بإزالة اعوجاجه ولا شك أنّ التسوية المتعلقة بالمعاني معناها الإتيان بالمعنى على ما ينبغي لا جعلها مستقيمة بعد أن لم تكن، وقد قيل على هذا الوجه إنه غير متجه ولا يفهم من إقامة الصلاة إلا أداؤها، وايقاعها من غير نظر للتقويم المذكور، وهذا مع أنّ مآله ترجيح الوجه الأخير قد رذ بأنه لو أريد ذلك قيل يصلون والعدول عن الأخصر الأظهر بلا فائدة لا يتجه في كلام بليغ فضلاً عن أبلغ الكلام ومن هنا علمت وجه تأخير الأخير فتأمّل. قوله :( أو يواظبون عليها إلخ ) وظب على الأمر وظبا ووظوباً وواظب عليه لازمه وداومه وفيه على هذا استعارة تبعية أيضا كما يدلّ عليه تصريحهم بالتشبيه وهذا معنى قول الزمخشريّ أو الدوام عليها والمحافظة عليها كما قال عز وعلا :﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [ المعارج : ٢٣ ]، ﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [ المؤمنون : ٩ ] من قامت السوق إذا نفقت إلخ ونفاق السوق رواح ما فيها من الأمتعة، وكثرة الطلاب فيها يقال نفقت السلعة والمرأة نفاقا بالفتح كثر طلابها وخطابها كما بين في كتب اللغة، وهذا المعنى كما في بعض الحواشي يحتمل أن يكون معنى أصلياً في اللغة، وأن يكون من قام العود تشبيهاً للنفاق بالانتصاب في حسن الحال والظهور، وقال الطيبي : إنها في هذأ الوجه كناية تلويحية عبر عن الدوام بالإقامة، فإن إقامة الصلاة بمعنى تعديل أركانها وحفظها من الزيغ مشعر بكونها