ج١ص٢٢١
بعد المشرقين، وقد بينا لك أنّ معنى الأداء لغة واصطلاحا الفعل، فيؤدّي الصلاة بمعنى يفعلها مطلقا، أو في وقتها المعين فلا إشكال في كون الصلاة مفعولاً به بل لا بد منه ووجه التجوّز حينئذ أنّ الأداء المراد به فعل الصلاة والقيد خارج خروج البصر عن العمى عبر عنه بالإقامة بعلاقة اللزوم إذ يلزم من تأدية الصلاة، وايجادها كلها فعل القيام، وهو الإقامة لأنّ فعل الشيء فعل لأجزائه، أو العلاقة الجزئية لأنّ الإقامة جزء أو جزئي لمطلق الفعل، ويجوز أن يكون استعارة لمشابهة الأداء للإقامة في أنّ. ور منهما فعل متعلق بالصلاة، فإن قلت إذا كان التجوّز في التعبير عن الأداء
بالإقامة فلم قال الزمخشريّ : لأنّ القيام بعض أركانها، وهل ترك المصنف رحمه الله له، وتعبيره بالاشتمال لمخالفته له، أو هو مجرّد تفنن في الطريق قلت : لما كان فعل الأداء الصلاة الإقامة فعل القيام بين أنه من أركانها ليكون فعله لازماً لفعلها كما بينا. وعدول المصنف ليشمل التسبيح من أوّل الأمر إن حمل على ظاهره لأنه ليس ركناً، ولذا عطفه الزمخشريّ عليه وقال : وقالوا إلخ كما سيجيء، وهذا مما يرجح كون العلاقة اللزوم لأنه يكفي فيه اللزوم العرفي، فلا يرد عليه ما قيل من أن هذا الكل لا يستلزم الجزء هنا، وأجيب بأنّ المراد القيام في الصلاة، وهو يستلزمه قطعاً ولما ذهبوا بأسرهم إلى علاقة الجزئية، وأنّ معنى يقيمون يصلون لزمهم ما لزم فتفرّقوا أيدي سبأ، فمن قائل لما كان القيام جزءاً من الصلاة كانت الإقامة التي هي إيجاد القيام جزءا من إيجاد الصلاة الذي هو أداؤها فعبر عن الأداء بالإقامة وعلق بالصلاة لتعيين المؤدى، وتلك العلاقة لا يلزم إطرادها إلى آخر ما تكلفه مما لا يجدي، ومن قائل معنى إقامتها جعلها قائمة أي ذات قيام كعيشة راضية، ثم جعل ذات قيام كناية عن أدائها، وعبر بالقيام لأنه ركن يشتمل على أشرف الأركان، وهو قراءة القرآن، وقيل الإقامة كناية عن الأداء، ومنهم من رأى أنّ ما حاولوه لا يتم بحال ولا يخلص من الإشكال، فاختار شقاً آخر وزعم أنه أحسن مما ذهبوا إليه فقال : إنه استعارة، وأنه شبه الصلاة المركبة من القيام الذي هو صفة المصلي بشخص قائم لاشتراكهما في القيام؟ فتولد منه تشبيه من يوقع الصلاة بمن يجعل الشخص قائما، وأطال من غير طائل. قوله :( والتسبيح ) قال الراغب : التسبيح تنزيه الله تعالى، وأصله المرّ السريع في عبادة الله تعالى، وجعل ذلك في فعل الخير كما فعل في الإبعاد للنشر فقيل أبعده الله، وجعل التسبيح عاما في العبادات قولآ كان أو فعلاً أو نية وقوله، فلولا أنه كان من المسبحين قيل من المصلين والأولى أن يحمل على نيتها اهـ وقد قدمنا ما قاله الشريف، وفي التجوّز به كلام سيأتي في محله. قوله :( والأوّل أظهر ) أي حمل النظم الكريم على تعديلهاوحفظها عن العدول عن اللائق بها أظهر من بقية الوجوه، لأنه المروقي عن سيد مفسري السلف، وهو ابن عباس رضي الله عنهما كما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عنه.
قال قدس سرّه : لما كان يقيمون الصلاة في معرض المدح بلا دلالة على إيجاب، كان حمله على تعديل الأركان كما قرّره أوّلاً أولى، فإنه المناسب لترتيب الهدي الكامل والفلاح التام الشامل، وهذا معنى قول الإمام الأولى حمل الكلام على ما يحصل معه الثناء العظيم، وذلك لا يحصل إلا إذا حملنا الإقامة على إدامة فعلها من غير خلل في أركانها وشرائطها، فإنّ عدم ذلك الخلل هو عين التعديل المذكور، وأمّا إدامة فعلها فهو من صيغة المضارع والاستمرار التجددي فيه، أو من لازمه لأنّ من لم يخل بركن منها كيف يحل بجملتها بتركها أحياناً فليس هذا هو المعنى الثاني، كما توهمه الطيبي فقال : هذا أولى من قول القاضي لما مز في تقرير
الكناية فإنها جامعة جميع المعاني المطلوبة فيها، ومن هنا علم وجه آخر لترجيحه على الثاني لأنه متضمن له، فهو أفيد منه مع ما ذكره وهو معنى كلام الراغب لا ما فهمه بعضهم عنه من أنه الوجه، وإنما غرّهم لفظة الإدامة، وقد عرفت المراد منها. وقوله :( أشهر ) إشارة إلى اشتهار هذا التفسير بين السلف كما مرّ، والى شهرة الإقامة بهذا المعنى في لسان الشارع والقرآن قال الراغب في مفرداته : إقامة الشيء توفية حقه قال تعالى :﴿ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ﴾ [ المائدة : ٦٨ ] أي توفوا حقهما بالعلم والعمل ولم يأمر تعالى بالصلاة حيثما أمر، ولا مدح بها حيثما مدح إلا بلفظ الإقامة تنبيها على أنّ المقصود منها


الصفحة التالية
Icon