ج١ص٢٢٤
الاشتقاق مما ليس بحدث قليل مردود لأنه وان إشتهر، ومثلوا له باستنوق الجمل وأبك إذا أحسن رعي الإبل وسبقه إليه غيره إلا أنه غير تام لأنهم إن أرادوا به ملاحظة معنى اسم الجنس في الفعل ومتصرّفاته مطلقا، فهو أكثر من أن يحصى ويحصر كطين الحائط إذا طلاه بالطين، وأترب الكتاب إذا وضع عليه التراب وزفت الإناء وقيره واثبات القلة النسبية موقوف على الاستقراء التام وهو متعذر وان أرادوا أنّ اسم الجنس وضعه الواضع أوّلاً، ثم أخذ منه الفعل ومتصرفاته كاستنوق والناقة فهو وان كان الوقوف عليه لغير الواضع عسيراً إلا أنه يستدذ عليه بشهرة الجامد دون ما أخذ كالإبل وابل، وهذا ليس كذلك لشهرة صلى والمصلي دون الصلا والصلوين وفيه نظر. وقوله إنّ الصلاة بمعنى الدعاء شائعة مسلم، وعدم ورود إطلاق الصلاة على ذات الأركان من العرب باطل، وان تبع غيره هنا وهو ظاهر كلام السيوطي في المزهر في الفصل الذي عقده للألفاظ الإسلامية لأنهم إن أرادوا أنّ الصلاة بمعنى العبادة المخصوصة ولم يكن قبل شرعنا مسمى، واسم فليس كذلك لورود ما يخالفه في آيات كثيرة كقوله تعائى حكاية عن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ﴾ [ إبراهيم : ٤٠ ] والاستدلال عليه بظاهر قوله ﴿ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ [ البقرة : ١٢٥ ] أي المصلين من ضيق العطق، والمخصوص خصوص هذه الأقوال والأفعال وان أرادوا أنها لم تسم صخلاة قبل شرعنا وأنه لم ينقل عن العرب قبل الإسلام، فليس كذلك لنقل أئمة اللغة كالجوهرفي ما يخالفه، وان اختلف في أنه حقيقة لغوية أم لا، ولا خلاف في أنه حقيقة شرعية وتحقيقه ما قاله ابن فارس في كتابه فقه اللغة، وعبارته كانت العوب في جاهليتها على إرث من إرث آبائهم في لغاتهم، فلما جاء الله تعالى بالإسلام حالت أحوال، ونقلت ألفاظ مبن مواضع إلى مواضع أخر بزيادات، ومما جاء في الشرع الصلاغ، وأصله في لغتهم الدعاء، وقد كانوا عرفوا الركوع والسجود، وإن لم يكن على هذه الهيثة فقالوا :
أو درّة صدفية غواصها ~ بهج متى يرها يهلى ويسجد
( وقال الأعشى :
يراوح من صلوات الملي ~ ك طوراً سجوداً وطوواً جؤارا
وهذا وان كان كذا، فإن العرب لم تعرفه بمثل ما أتت به الشريعة من الإعداد،
والمواقيت والتحريم للصلاة والتحليل منها وكذلك الصيام والحج والزكاة اهـ. فقد عرفت أنّ العرب سمتها بذلك قديما وأنّ قوله لم يرد عنهم إطلاقها على ذات الأركان وأنهم ما كانوا يعرفونها لا أصل له، وما ذكره من السؤال والجواب قد قيل في توجيهه أيضاً : إنه إنما جعل الصلاة من صلى لعدم استعمال التصلية بمعنى الدعاء، وفي القاموس يقال : صلى صلاة ولا يقال تصلية اهـ وما في القاموس تبع فيه الجوهريّ وبعض أهل اللغة، وليس بصحيح وان اشتهر قال الإمام الزوزني في أفعاله : التصلية غازكرون، وفي أمالي ثعلب إمام أهل اللغة أنشد لبعض العرب :
تركت القيان وعزف القيان وأدمنت تصلية وابتهالا
وقال في تفسيره يقال صليت صلاة وتصلية ههـ وكذا في العقد لابن عبد ربه، وإنما تركه
أهل اللغة لأنه من المصادر القياسية، وعادتهم تركها وأخذ الصلاة من الصلوين، واطلاق المصلي على ثاني خيل الحلبة مما لا يثك فيه أحد من أهل اللغة وقول المصنف رحمه الله حرّك الصلوين وقع في بعض النسخ الصلا مفردا بدله، وما أورده صاحب الكشف عليه من أنه مخالف لمذهب المعتزلة وأهل السنة إشارة إلى ما تقرّر في أصول الفقه من أنّ الألفاظ المستفادة من الشرع هل لها حقيقة شرعية أم لا فقال القاضحي أبو بكر رحمه الله : إنّ الشرع لم يستعملها إلا في الحقائق اللغوية، فالمراد بالصلاة المأمور بها الدعاء إلا أنّ الشرع أقام أدلة على أنّ الدعاء لا يقبل إلا بشرائط مضمومة إليها، وأثبتها المعتزلة وقالوا نقل الشارع هذه الألفاظ عن مسمياتها اللغوية، وابتدأ وضعها لهذه لا لمناسبة، فليست حقائق لغوية، ولا مجازات عنها، والحق أنها مجازات اشتهرت، فصارت حقيقة شرعية والزمخشريّ ليس بمقلد للمعتزلة


الصفحة التالية
Icon