ج١ص٢٢٦
إلا أنّ المتبادر منه الثاني إذا أطلق لأنّ الأوّل آخذ فهو فاعل معنى كما صرّح به النحاة، فمن قال الظاهر أنّ المرزوق الشخمى الذي وصل إليه الرزق لا نفس الحظ فقد خلط وخبط، وتمكن الانتفاع صحته منه، وإن لم يكن بالفعل فهو بمعنى ما قيل من أنه سوق الله إلى الحيوان ما ينتفع به كما هو عند الجميع، والفرق ما سيأتي من فسره بما ساقه إلى العبد ليأكله فهو باعتبار الأغلب أو التغليب، وما أعطاه الناس لغيرهم داخل فيه لتمكنهم منه أو هو رزق نظراً للغير الواصل إليه كما قال :
لم لا أحبّ الضيف أو أرتاح من طرب إليه
والضيف يثل رزقه عندي ويشكرني عليه-
وقيل هو ما به قيام الحيوان وبقاؤه. قوله :( والمعتزلة لما استحالوا إلخ ) ردّ على الزمخشريّ، وقد اختلفوا في أنّ الحرام رزق أم لا وليس الخلاف في معناه اللغوي، فإنه ما ينتفع به مطلقاً كما صرّحوا به وليس هو مما ينبغي ذكره في علم الكلام وليس أيضاً نزاعا لفظياً راجعا لتفسيره بل النزاع في معناه شرعا بعد الاتفاق على أنّ الإضافة إلى الله الرازق معتبرة في مفهومه، ولذا فسر تارة بما أعطاه الله عبده ومكنه من التصرّف فيه بحيث لا يكون لغيره المنع منه، فلا يكون الحرام رزقاً وتارة بما أعطاه الله لقوامه وبقائه خاصة فقالت المعتزلة : لما كانت الإضافة إليه تعالى معتبرة فيه لزم أن لا يصدق على الحرام بناء على أصلهم الفاسد في عدم إسناد القبائح إليه تعالى وأهل السنة قالوا كل من عند الله، والإضافة لا تمنع كون الحرام رزقا وفي الكشف الاتفاق على أنه من فضل الله عليهم كما تفضل بالى ئجاد وسائر أسباب التمكين، فليس عدم الاستناد لكونه ليس من فعله تعالى، كما توهم بعضهم بل لأنهم يقولون لا يحسن أن يسند إليه تعظيماً له ولأنّ فيه شوباً من فعل العباد، لأنهم أكسبوه وصف الحرمة فنقول التعظيم في إسناده إلى اللّه تعالى لئلا يوهم إيجاد العبد ما لا يستقل به اتفاقا، وأمّا وصف الحرمة، فلو سلم أنه ليس بإيجاده لم يفد كيف، وقد ثبت بالقاطح العقل والنقل أنّ الكل منه وبه واليه، نعم لا يوصف الفعل بالصفات الخمس إلا من حيث قيامه بالى مملف لا من حيث صدوره عنه تعالى، وهذا أصل نافع وقد ذهب إلى مذهب المعتزلة بعض أهل السنة بناء على أنه لا يملكه لخبثه كما قال النسفي، وفي أحكام القرآن للجصاص : إطلاق اسم الرزق إنما يتناول المباح دون المحظور، وما اغتصب وأخذ بالظلم لم يجعله الله رزقا له لأنه لو كان رزقاً جاز إنفاقه، والتصدّق والتقرّب به إليه تعالى، ولا خلاف بين المسلمين في أنّ الغاصب محظور
عليه الصدقة بما اغتصبه وفي الحديث :" لا يقبل الله صدقة من غلول " اهـ.
( أقول ) ما ذكره من عدم الخلاف لا يخفى ما فيه قال ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد لو
عمل الخير بمال مغصوب اختلف فيه فقال ابن عقيل رحمه الله : لا ثواب للغاصب لأنه آثم مستحق للعقوبة ولا لرب المال لأنه لا نية له ولا ثواب بدون فصد ونية، وإنما يأخذ من حسنات الغاصب بقدر ماله، وقيل إنه نفع حصل بماله وتولد منه، ومثله يثاب عليه كمن له ولد برّ يؤجر به وان لم يقصده والمصائب إذا ولدت خيرا الظاهر أنه يؤجر عليها وعلى ما تولد منها، وكذا الغاصب فإنه وأن تعدّى واقتص من حسناته فما كان يعمله يؤجر عليه لأنه لو فسق به عوقب مرّتين على الغصب والفسق، فإذا عمل به خيراً ينبغي أن يثاب عليه فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره، ومعنى استحالوا عدّوه محالاً لأنّ الإقدار على القبيح قبيح كخلقه عندهم، واعترض على المصنف رحمه الله بأنّ وصف التمكين ليس معتبرا عند أهل الستة وبأنّ التمكين لا ينافي المنع والزجر كما في سائر المعاصي، ألا ترى أنهم قالوا بإرجاع المحامد إليه تعالى دون القبائح باعتبار أنّ الأقدار على الحسن حسن والتمكين من القبيح ليس بقبيح، وقد اشتهر أنه تعالى خالق القوى والقدر وأجيب بأنّ الأقدار والتصكين على وجهين : الأؤل إعطاء القدرة الصالحة لصرفها إلى الخير والشرّ، وذلك غير قبيح وحاصل منه تعالى على زعمهم. والثاني جعل الشيء خاصاً بأحدهما داخلاً تحت تصرّفه قريبا من الانتفاع بالفعل، وذلك غير واقع في زعمهم فلا إشكال. قوله :( ألا ترى إلخ ) في الكشاف وأسناد الرزق إلى نفسه للإعلام بأنهم ينفقون الحلال الطلق الذي يستاهل أن يضاف إلى