ج١ص٢٣٤
من الإشارة إلى التصريح في الآيات والأحاديث وأمّا قوله تعالى ﴿ قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ ﴾ [ البقرة : ١٣٦ ] الآية ففيها صارف عما ذكر معنى ولفظا.
أمّا الأوّل فلأنّ الخطاب للمسلمين فلا يقتضي الإيمان بكل منها على الانفراد. وقوله :
( قولوا ) دالّ عليه، فإنه تكليف بقوله دفعة واحدة.
وأمّا الثاني فلأنه لم يعد فيه الإيمان، والمؤمن بل جعل ذلك إيمانا واحداً لعدم الاستقلال، فلا يرد نقضا كما لا يخفى، والإيهام المتوهم من قوله ﴿ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ مدفوع بأنّ مدح الفريق الأوّل بالإيمان الكامل، ودخول الآخرة في الإيمان بالغيب دخولاً أوّليا صارف عنه بغير شبهة، وإنما هو تعريض بأهل الكتاب، وما كانوا مليه قبل الإيمان بما أنزل إلينا، فإذا كمل إيمانهم بهذا علم كمال إيمان غيرهم بالطريق الأولى، وأمّا أنّ اليهود لم يؤمنوا بالإنجيل، وكون دينهم منسوخاً حتى قيل : المراد باهل الكتاب هنا أهل الإنجيل فقط، فقد أجيب عنه فأن الإنجيل ليس بناسخ للتوراة بل مبين لها كما في الملل والنحل وغيره وسيأتي بيانه، أو الكلام على التوزيع، وليس خلاف المتبادر كما لا يخفى، وأمّا كون إقامة الصلاة، وما معه. مشتركا بين القبيلين، فمسلم لكنه لا يضرنا لأنه مذكور في الأوّل صريحا وفي الثاني التزاماً لاستلزام الإيمان بما أنزل له وأمّا جعل الصفة الثانية داخلة تحت الأولى صريحاً وفي الثاني التزاماً لاستلزام الإيمان بما أنزل له وأمّا جعل الصفة الثانية داخلة تحت الأولى ومنفردة بالذكر، فغير ظاهر إلاً أن يقال الإيمان بالله وان كان أصلاً لكن طريق سعادة الدارين مستفاد من الكتب، وجعل الإيمان بالآخرة مقصوداً أصلياً من ملة الإسلام ظاهر، فإن قلت كيف يكون تعويضاً بأهل الكتاب والمفهوم منه إنّ الإيقان بالآخرة حقيقة مختص بأهل القرآن دون أهل الكتب السماوية السالفة، فالمستفاد منها خلاف حقية الآخرة، وهو غير صحيح فانّ أهل الحق من أهل الإسلام، وأهل الكتاب يعتقدون حقيتها، وأهل الباطل منهم جميعاً، كالملاحدة والمحرّفين ليسوا كذلك، فلت قد أجاب عن هذا بعض المدققين بأنّ الكتب السالفة لم تتعرّض لتفصيل أحوال الآخرة، فلذا ظن أهلها ظنونا فارغة بخلاف القرآن الناطق بتفصيلها وبيانها،
أو
وفي شرح الطوالع : أنّ موسى عليه الصلاة والسلام لم يذكر المعاد الجسماني، ولم يذكر في التوراة، وإنما ذكر في كتب حزقيل وشعيا والمذكور في الإنجيل إنما هو المعاد الروحاني فتدبر. قوله :( أو طائفة منهم الخ ) معطوف على قوله الأوّلون وضمير منهم لهم، والمراد بالطائفة مؤمنو أهل الكتاب والأوّل عامّ عطف عليه بعضه، وأفرد بالذكر لنكتة أشار إليها بقوله تعظيما لشأنهم إلخ وفي نسخة بدله إشادة بذكرهم، وهو بالدال المهملة معناه رفع الصوت بالنداء تجوّز به عن التعظيم ورفع القدر، والترغيب فيه ظاهر قيل وكونه كذكر جبريل وميكائيل عليهما السلام بعد الملائكة في مجرّد ذكر الخاص بعد العامّ لنكتة، وهي ترغيب أهل الكتاب في الدخول في الإسلام وفيه نظر، إذ الظاهر اشتراكهما في التعظيم والأفضلية باعتباو أنهم يعطون أجرهم مرّتين، وقد يكون في المفضول ما ليس في الفاضل، كما قيل في أفرضكم زيد فلا يرد عليه أنه لا تتمّ فيه النكتة المذكورة فيما استشهد به من التنبيه على أنهم لشرفهم كأنهم لم يدخلوا في العامّ لئلا يلزم تفضيلهم على الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، والتشبيه في مجرّد التخصيص، ولذا مرّض هذا الوجه وأخر، وقال قدس سرّه : إنه غير مناسب للمقام إذ ليس في السياق ما يقتضي التخصيص، وفيه نظر يعلم مما مرّ، وقيل في قول المصنف ذكرهم إلخ ما يدفعه وفيه نظر. قوله :( والإنزال إلخ ) كون هذا حقيقة النزول وأصل معناه مما لا شبهة فيه وليس هو في الإقامة أصلاً أيضاً كما توهم إلا أنه شاع فيه حتى صار حقيقة فيه في عرف اللغة، فإن كان هذا مراده لم يرد عليه شيء، وكونه صفة للذات بالذات، ولغيرها بالعرض مما لا غبار عليه أيضا فاستعماله فيما هنا ونحوه مجاز حكمي لجعل ما للمحل للحال أو لغويّ على أنه استعارة، أو جعل بمعنى أوصلها وأظهرها. قوله :( ولعل نزول الكتب إلخ ا لما ذكر أنّ نزول القرآن عبارة عن نزول الملك المبلغ له، كما يقال نزل أمر الأمير من القصر إذا نزل به بعض خدامه، وهذا ملخص من قول الإمام حيث قال : المراد من إنزال القرآن أنّ جبريل عليه السلام في السماء سمع كلام الله، فنزل به على الرسول صقى اللّه عليه وسلّم، كما يقال نزلت رسالة الأمير من القصر، والرسالة لا تنزل، ولكن كان المستمع في علو، فنزل وأدى في سفل، وقول


الصفحة التالية
Icon