ج١ص٢٤٨
النفس بجعلها كعامل أو وكيل واعمالها بمنزلة أموال عندها والعقل حاكم عليها يحاسبها، وفيه لطف لا يخفى. قوله :( ونكر هدى إلخ ) إنما أفاد التنكير التعظيم لما فيه من الإبهام الذي يفيده نحو الحاقة ما الحاقة لأنه في معنى هدى أيّ هدى أي هدى عظيم لعظمته لا تعرف حقيقته ومقداره، واليه أشار المصنف بقوله خير وفي نسخة ضرب أي نوع منه وهو الصحيح الموافق لما في الكشاف. وقوله :( لا يبلغ ) ببناء المجهول أي لا يدرك، والكنه الحقيقة والنهاية كما في كتب اللغة أي لا يصل أحد إلى حقيقته أو نهايته، ويقادر بضم الياء وفتح الدال المهملة مجهول من قادره بالقاف كضاربه، وقدره بسكون الدال ويجوز فتحها أي لا يعرف مقداره، وفي الأساس قدرت الشيء قدره وهذا شيء لا يقادر قدره، وهو
من قولهم تقادر الرجلان إذا طلب كل منهما مساواة الآخر في المقدار قيل : ويحتمل أن يكون التنكجر للإفراد أي على هدى واحد ألا لا هدى إلاً هدى ما أنزل إليك لنسخه ما قبله.
وفي الكشاف تفسير من ربهم بقوله أي منحوه من عنده وأوتوه من قبله وغيره المصنف
لما فيه من الركاكة بزيادة أي التفسيرية بين المبتدأ والخبر وتقدير ما لم يدل عليه دليل والقصد أن من ابتدائية ﴿ وَمِّن رَّبِّهِمْ ﴾ صفة وتفسيره الهدى باللطف والتوفيق، لأنه مذهب المعتزلة، وعندنا هو خلق الاهتداء وقا. قدم ما يغني عنه وسيأتي تتمته. قوله :( ونظيره إلخ ) في نسخة ومثله قول الهذلي : وفي نواهد الأبكار أنه في الديوان المجموع لشعر هذيل قطعة لا قصيدة، وهي ثلاثة أبيات لا رابع لها وقد روي لها رابع وهي بجملتها على ما صححه الرواة وارتضاه الفاضل في شرحه :
لعمرأبي الطيوالمربة غدوة على خالدلقد وقعت على لحم
فلاوأبي لاتأكل الطيرمثله عشية أمسى لايبين من السلم
وانك لو أبصرت مصرع خالد بجنب الثنار بين أبرق فالحزم
لأيقنت أن البكرغيررذية ولا الناب لا ضمت يداك على غنم
والشعر لأبي خراس وهو خويلد بن مرّة الهذلي يرثي به خالد بن زهير الهذلي، وقد قتل
في وقعة مشهورة مذكورة في شرح أشعار هذيل وأبو خراس كان من فرسان العرب وفصحاء شعرائها، وكان يعدو على قدميه فيسبق الخيل، ثم أسلم وحسن إسلامه ومات في زمن عمر رضي الله عنه من نهش حية وخالد المرثي كان رفيع الشأن في هذيل، والمربة بضم الميم وكسر إلراء المهملة، وتشديد الباء الموحدة والهاء بمعنى الملازمة من أرث وألب باللام أقام بالمكان، وقد نقل أنّ الزمخشريّ كان يقول ما أفصحك من بيت إذا أنشده فإنه استعظم لحمه ولذا نكره وسبب استعظامه له أنه استعظم الطير الواقعة عليه حيث أقسم بأبيها، أو بها إن قلنا إنّ لفظ الأب مقحم كما ذهب إليه بعضهم، والطير مجرورة بإضافة الأب إليه، فإن قيل إنه مضاف لياء المتكلم فهو مرفوع على أنه ناعل فعل مقدر مفسر بما بعده وعلى الأوّل التكنية والقسم لتعظيمه ولا ردّ لما يتوهم من تحقيره بأكل الطير له أو زائدة وجواب القسم لقد إلخ. وقوله :( وقعت ) بكسر التاء المثناة خطاب للطير على أنه التفات على هذه الرواية، وقد روي وقعن، وعلقن أيضاً فلا التفات فيه، والإقسام بها لوقوعها على اللحم العظيم فيه تعظيم للمقسم عليه نفسه كما في قول الطاني :
وثناياك إنها اغريض
وقوله تعالى ﴿ حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ [ الزخرف : ٢ ] وقيل
أبو الطير خالد نفسه لوفوعها عليه كما يقال أبو تراب وأبو الزند لصاحب الملازمة له ولا حاجة
إلى جعل أبي جمعاً وأصله أبين، فسقطت نونه للإضافة كما قيل : وإنشاد المصنف له، فلا
وأبي الطير المربة بالضحى إلخ تبع فيه الزمخشريّ وقال السعد هو في ديوان الهذليين هكذا :
لعمرأبي الطيرالمربة غدوة على خالدلقدعلقن على لحم
إلخ وفي حواشي الكشاف لابن الصائغ، ومن خطه نقلت نقلاً عن الرضى الشاطبي أنه
هو الصواب، وهو كما قال وإنما استدل به لأنه لو لم يقصد التعظيم كان لغواً من القول فتأمل.
قوله :( وكد تعظيمه إلخ ) قيل : إنه لما توهم أنّ الهدى لا يكون إلا من الله، فما فائدة قوله من
ربهم بين أنه تأكيد لتعظيمه بإسناده إليه تعالى كما يستفاد من فحو بيت الله، والتوفيق هو اللطف
الداعي إلى أعمال الخير كما أنّ العصمة هي اللطف المانع