ج١ص٢٥٥
ونحوه مما يظهر لمن أحاط به خبراً وهذا منشأ الخلاف فيه، فأمّا تصفيته من غش الخفاء وكدر الشقاق فالحق أن يقال إنّ الشيخ أراد بالتعريف هنا الحقيقة والماهية، وإذا جعل فرد من أفرادها عينها كان ذلك ادّعاء وتقديراً، ولما كان هذا أظهر في زيد هو الأسد أتى به تنويرا له لأنّ اتحاد المباين إذا صح وأفاد المبالغة، فهذا أظهر وجعل الفرد عين ماهية وصفه يقتضي تحقق اتصافه به، وأنه جدير به ومستحق له وو-٤ الدقة المحتاجة إلى زيادة التأمّل إنّ أهل المعقول، وان ذهب كثير منهم إلى وجود الماهية في ضمن أفرادها إلاً أن جعلها عين فرد فيه من المبالغة ما لا يخفى لجعلها محسوسة ث اهدة، ولهذا صار ضربا من السحر ولام الطبيعة والحقيقة من أقسام الجنس لافحصارها عند الجمهور في العهد والجنس، كما أشار إليه قدس سرّه إلا أنه بقي ههنا أمران : الأوّل إنّ الثارح الفاضل لم يصرّح فر، كتبه بأنها على هذا ليست من الجنس، رأسا عند الشيخ بل قال : إنه تعريف آخر للجنس عنده، فلك أن تقول مراده بقوله آخر أنه مغاير لأفراد التعريف الجنسي الذي قدّمه، وهو الأقسام الثلاثة التي قرّرناها فمآله إلى ما ذكره الشريف فلا وجه لتشنيعه عليه فهوكما قيل :
ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة ~ بين الرجال ولوكانوا ذوي رحم
الثاني أنّ في كلام الشيخ نظراً ظاهراً، فإنّ تشبيهه بالموصول يقتضي أنّ ما نحن فيه تعريف عهديّ، وقد أشار في حواشي المطوّل إلى دفعه، ومن ذهب إلى القصر تمسك بما يقتضيه من قوله لا حقيقة لهم وراء ذلك وقوله ( لا يعدون ) تلك الحقيقة، وقد اعترف الشريف في حواشي المطوّل بأنها موهمة لذلك، وعبارة الدلائل لما فيها من التصريح بعدم القصر فيه تدفع ما ذكر وأمّ كلام الكشاف فليس فيها ما يمنعه، ولذا قيل لا وجه لتخطئة من ذهب إليه من
شراح الكشاف، وقد قيل إنه لما شبه معنى التعريف بقولك هل سمعت بالأسد وهل تعرف حقيقته فزيد هو هو بعينه وهذا لم يقصد فيه الحصر أصلاً علم إن ما توهمه عبارته ليس بمراد أيضاً وبما قرّرناه لك علم سقوط ما قيل إنّ قول الشيخ لا حقيقة له وراء ذلك لا يوهم القصر وإنما معناه اتحاد الحقيقة معه بخلاف قول الزمخشريّ : لا يعدون تلك الحقيقة إذ معناه أنهم غير متجاوزين لها وهو معنى القصرة وقد بقي هنا أمور مفصلة في حواشي كتب المعاني من أرادها فليرجع إليها. قوله :) من حقيقة المفلحين ) إشارة إلى أنها على هذا لام الطبيعة والحقيقة، كما قرّرناه آنفا. وقوله :( وخصوصياثهم ) عطفه على الحقيقة عطف تفسير إشارة إلى أنّ المراد بالحقيقة المفهوم المختصى بهؤلاء لا ما علمه أهل المعقول وخصوصيات جمع خصوصية من خصه بكذا إذا أفرده به فاختص أي انفرد.
قال الجوهرفي خضه بالشيء خصوصاً وخصوصية بالضم والفتح والفتح أفصح.
واعلم أنّ في الخصوصية وأمثالها طريقين إحداهما أنها مصدر وضع هكذا كالطفولية والرجولية وهو كثير فيئ المصادر المأخوذة من أسماء الأجناس فياؤه كياء كرسيّ كما في التسهيل والارتثاف الثانية أن الفعولة بالضم كثرت في المصادر المأخوذة من الجوامد كالأبوّة والبنوّة والفعولة بالفتح نادرة فيها، فلما ضعفت في باب المصدرية ألحق بها ياء المصدرية تأكيدا وايذانا بأنها جارية مجرى أسماء الأجناس في قلة تصرفها وبناء الأفعال منها كما قاله المرزوقي في شرح الفصيح وعليهما فالتاء للتأنيث اللفظي كتاء أبوّة ولا بد منها على الطريقة الثانية لأنها تلزم المصدر الذي بواسطة الياء فيقال عالمية لا عالمي كما نص عليه الرضي في بحث الحروف المشبهة بالفعل والمرأوقي في شرحه للفصيح أو هي تاء النقل إلى المصدرية، فلا وجه لما قيل من أنها للمبالغة، فإن قلت الضم هو اكثر فيه لشيوعه في نحو رجولية وطفولية وعبودية وغيرها، فكيف يكون الفتح أفصح.
قلت : قال المرزوقي في شرح الفصيح الضم في هذه أكثر وحكى الفتح في النصوصية والخصرصية والحرورية بمعنى الحرية لكن الفتح هو المستفصح في هذه الأحرف الثلاثة : ولا يمتنع أن يكون الأقيس أقل استعمالاً فلا يستفصح اهـ فقد علمت أنّ فتح خصوصية أفصح سماعا، ومن ردّ على الجوهريّ فقد وهم، ثم إنّ ما ذكره المصنف رحمه الله تلخيص لما في الكشاف من غير مخالفة، ومن الناس من ظن أنه مخالف، وأنه إشارة إلى أنها لتعريف الجنس