ج١ص٢٧٢
اهـ. قوله :( والإنذار التخويف الخ ) كون معناه لغة التخويف قول هشهور، وقيل معناه فيها الإبلاغ قال في المصباح وأنذرت الرجل كذا إنذارا أبلغته يتعدّى إلى مفعولين، وكثر ما يستعمل في التخويف وأمّا استعماله في القرآن بمعنى التخويف من عذاب الله، فإمّا أن يجعل منقولاً من العذاب أو بطريق النقل والتخصيص في عرف الشرع أو لأنه في تأويل مصدر معرّف بتعريف عهديّ، وقيل إنه من استعمال المطلق في بعض أفراده مجازاً، وقال ابن عطية رحمه الله : لا يكاد يكون الآ في زمان يسع الاحتراز فإن لم يسعه فهو إشعار لا إنذار، والمفعول الثاني هنا محذوف تقديره " نذرتهم العذاب أم لم تنذرهم إياه والأحسن أن لا يقدر له مفعول ليعمّ كما في الدرّ المصون وغيره، فقوله من عذاب الله كما مرّ إشارة للمفعول أو التأويل والأوّل أقرب وأولى. وقوله :( اقتصر إلخ ) قيل مراده محتمل لعدم ذكر البشارة بطريق الاقتصار عليها أو بالاشتراك بأن يذكرا معاً لأنها تفهم بطريق دلالة النص، لأنّ الإنذار أوقع وأولى كما أشار إليه المصنف فاندفع ما قيل من أنّ هذه النكتة لا تفيد ترك الجمع، فالوجه أن يقال الكافر ليسى أهلاً للبشارة فتأمّل. قوله :( وقرىء لأنذرتهم إلخ ) قالوا تحقيق الهمزتين لغة تميم، فلا عبرة بمن أنكرها، وتخفيف الثانية بين بين لغة الحجاز وكذا إدخال الألف بين الهمزتين تحقيقاً وتسهيلاً كقوله :
فياظبية الوعساء بين حلاحل وبين النقاآ أنت أم أمّ سالم
وروي عن ورس إبدال الثانية ألفاً محضة فقال الزمخشريّ وتبعه المصنف : إنها لحن لأنّ الهمزة المتحرّكة لا تبدل ألفا ولأنه يؤذي إلى جمع الساكنين على غير حده، وهو خطا لثبوتها تواتراً في القراءات السبعة كما ذكرناه وما طعنوا به ليس بشيء لأنه وود عن فصحاء العرب إبدال الهمزة المتحرّكة وان كان أقل من إبدال الساكنة كما في قوله لا هناك المرتع وقوله : سألت هذيل رسول الله فاحشة
والتقاء الساكنين على حده في اصطلاج أهل العربية، والأداء أن يكون الأوّل حرف لين والثاني مدغماً نحو الضالين وخويصة ثم خصوا الوقف بجواز التقائهما مطلقا لكونه عارضا فتلخص من كلامهم أنه لا يجمع بين ساكنين وصلا في غير ما ذكر، وإنما اغتفر في الإدغام لعروضه ولأنّ المدغم والمدغم فيه كحرف واحد، فكأنه متحرّك وضمير على حدّة للجمع، والحد بمعنى حكمه الذي لا يتعداه ويجوزه جوازا، كما في قوله وأجدر ﴿ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ ﴾ [ التوبة : ٩٧ ] أي أحكامه اللائقة به.
وأجيب عن التقاء الساكنين بأنّ من قلبها ألفاً أشبع مد الألف بزيادة ألف أو ألفين ليكون
ذلك فاصلاً بين الساكنين، كما ذكروه في قراءة محياي بسكون الياء وصلا وهذا مما اتفق عليه القرّاء، وقالوا التخلمى من التقاء الساكنين إذا كان على غير حده بالتحريك أو الحذف أو زيادة ألف في المد، ولا يخلو من إشكال وان سلموه لهم هنا لأنّ الألف المزيدة ساكنة أيضاً، فكيف يتخلص بها من التقاء الساكنين وقد زيد ساكن ثالث.
وقال أبو حيان القراءة المتواترة لا تدفع ببعض المذاهب وكون حد التقاء الساكنين ما مرّ مذهب البصريين ولا يجب اتباعه مع أنه في المطرد المقيس، وكلام الله مما يقاس عليه لا مما يقاس على غيره، فإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل على أنه عارض، والأصل أنه لا يعتدّ به، ثم إنّ هذه القراءة من قبيل الأداء ورواية البغداديين عن ورش التسهيل بين بين على القياس فليس الطعن فيها طعناً في القرآن المتواتر بل في كيفيته أو في روايته على أنه لا يبالي بذلك وما ذكره المصنف رحمه الله أحسن من قوله في الكشاف : وقرىء بتحقيق الهمزتين والتخفيف أعرب، وأكثر أي أدخل في العربية وأفصح والشرّاح على أنّ هذه جملة معترضة بين المتعاطفين قدمت اهتماما وأصلها التأخير قيل وهو مبنيّ على أنّ التخفيف بمعنى جعلها بين بين، وليس هذا مراده بل مراده التخفيف بإسقاط إحداهما، فمرتبته بعد التخفيف كما يشهد به الذوق، وليس بشيء لأنّ الحذف شأتي في عبارته أيضا والتأخير لا يدفع التكرير، ولو قيل التخفيف المراد به هنا أعمّ من الحذف والتسهيل بين بين على أنّ ما بعده تحقيق للتخفيف، وتفصيل له كان أحسن فتأمّل. قوله :( بين بين ) ظرف مكان مبهم وهما اسمان ركبا وبنيا على الفتح كخمسة عشر وجعلا اسما واحداً بتقدير بين التخفيف والإبدال أو بين الهمزة والهاء. وقوله :( وبحذف


الصفحة التالية
Icon