ج١ص٢٧٦
بعضهم على أنّ التكليف بالممتنع لذاته واقع، فاذا كان التكليف بهذا التصديق واقعا كان التكليف بالمحال واقعا فتدبر. قوله :( والحق أنّ التكليف إلخ ) هذا إشارة إلى أنّ القائل بعدم التكليف به من المعتزلة مأخذه أنه لا فائدة في طلب المحال، وفي شرح مختصر ابن الحاجب أنّ مأخذه أنّ الآمر يريد وقوع المأمور به والجمع بين علمه بعدم وقوعه وارادة وقوعه كالتناقض، وهذا بناء على أنّ الأمر عندهم هو الإرادة وأنّ أفعال الله تعالى معللة بالاغراض، والى هذا أشار المصنف رحمه الله بقوله لا تستدعي غرضاً أي لا تقتضيه يعني أنه إنما يستحيل الأمر بما لا يقدر عليه المكلف إذا كان غرض الآمر حصول المأمور به وحكم الله لا يكون لغرض، وان ترتب عليه فوائد ومصالح كلها نافعة لأنه الحكيم المتعالي وقال إمام الحرمين : الأمر بهذا ليس للطلب بل إن كان ممتنعاً لذاته فالأمر به للإعلام بأنه معاقب لا محالة لأنه تعالى له أن يعذب من يشاء، وان كان ممتنعا لغيره، فالأمر به لفائدة الأخذ في المقدمات كما قرروه في أصولهم وعليه أنه لا يتوجه على المعتزلة، لأنهم يمنعون هذه القاعد ٦، وقد مرّ في شرح المقاصد أنّ الطلب التكليفي للإتيان بالفعل، واستحقاق تاركه العذاب واندفاعه ظاهر. قوله :( سيما الامتثال إلخ ) الامتثال هو الإتيان بالمأمور به على الوجه المطلوب شرعا، كما في كتب الاً صول فالمراد أنّ الامتثال أحق شيء بعدم الاستدعاء لأن يكون غرضا للأمر، ولذا جاز النسخ قبل الفعل، ولو كان الامتثال مقصعا لم يجز والمذكور بعد سيما منبه على أولويته بالحكم لا مستثنى خلافا لبعض النحاة، ووجهه أنه كأنه أخرج عما قبله من حيث أولويته بالحكم قيل استعماله بدون لا كما في عبارة ثمصتف لحن غير جائز فما في عبارة المصنف كما في شرح المفصل، والمغني خطأ وهو غير وارد لأن الحذف لقرينة جائز والقرينة أنه شاع استعماله معها، وقد قال الرضي أنه يجوز تثقيل ياث وتخفيفها مع ذكر لا وحذفها، وهو ثقة فقول الدماميني أنه لم يقله غيره، وأنه لم يستعمله بدونها إلا العجم سوء ظن بالثقة وليس مثله من الحزم، ويجوز في الامتثال الرفع والنصب والجرّ كما قالوه في يوم في قوله :
ولا سيما يوم بدارة جلجل
وقوله للاستقراء هو ما ذكره القوم في أستدلالهم ولم يذكر النص وهو قوله ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾ [ البقرة : ٢٨٦ ] الآية لأنه غير صريح فيه كما سيأتي بيانه
والاستقراء وهو السبر والتقسيم الاستدلال بثبوت الحكم في الجزئيات على ثبوته للكلي الشامل لها مأخوذ من قرأت بمعنى جمعت وسينه للطلب لأنّ المستقرىء طالب للافراد التي يجمعها لينظر اتفاقها يعني أنّ التكاليف تتبعت فلم يوجد فيها محال لذانه قد وقع. قوله :( والإخبار بوقوع الشيء إلخ ) يعني أنّ الإخبار بوقوع شيء أو عدمه لا ينفي القدرة التي هي شرط التكليف وصحته ولا ينافي كون الإيمان وعدمه مقدورين في حد ذاتهما، وإن لزم امتناع الإيمان في بعض الأشخاص لمانع آخر لتخلف ما أخبر به الله أو وجود ما يخالف علمه أو اجتماع ضدّين إلى غير ذلك من الأمور الخارجة عنه فلا يقتضي الامتناع الذاتي فيه لأنّ علمه بعدم الشيء واخباره عنه لا يجعله ممتنعا كما أنّ علمه بوجوده واخباره به لا يجعله واجباً كما ستراه، وهذا جواب عما احتج به من خالف المذهب الحق، وقد مرّ في توجيه الاحتجاج بهذه الآية أمران الأوّل أنه تعالى أخبر بعدم إيمانهم وأمرهم بالإيمان، فلو آمنوا انقلب خبره كذبا والثاني لزوم اجتماع ضدّين لما مرّ أو لأنّ تصديقه للرسول صلّى أدلّه عليه وسلّم في أن لا يصدقه تصديق له في نحو قوله ﴿ سَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ ﴾ الآية فلو صدر منه تصديقه للرسول صلى الله عليه وسلّم في هذا الخبر علم وقوع فرد من أفراد تصديقه للرسول صقى الله عليه وسلم، وهو خلاف مضمون الخبم الذي صدق الرسول صقى الله عليه وسلم فيه وهو أنه لا يصدقه في شيء أصلاً، والعلم بوقوع ما يناقض مضمون الخبر مستلزم لتكذيب المخبر فيه، فإنّ العلم بوقوع الخسوف في ساعة كذا من سنة كذا مستلزم عادة لتكذيب من قال لا خسوف في تلك السنة أصلاً فيكون تصديقه الرسول ﷺ في أن لا يصدقه مستلزما، لتكذيب الرسول صلّى الله عليه وسلم في أن لا يصدّقه أصلاً، وتكذيبه فيه مستلزم لعدم تصديقه فيه لامتناع اجتماع التصديق والتكذيب في شيء واحد فيستلزم عين كل منهما نقيض الآخر، فتصديقه