ج١ص٢٨١
لأنّ المقصود الأهم فيها هو المعنى القائم بالذات لا نفسر الذات، فينبغي أن يعتبر التشبيه فيما هو الأهم فتكون تبعية، فإن جعلنا الغشاوة اسم ا-لة كما ذكر في لفظ الإزار والإمام فيجب أن تكون تبعية، وإلا فلا يخلو عن خفاء اهـ. وقيل المفهوم من هذا أنّ في قوله تعالى ﴿ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ﴾ استعارة تبعية كما في ختم، فكأنهم جعلوه بمعنى غشى الماضي، كما يدلّ عليه قوله ما معنى الختم على القلوب والأسماع، وتغشية الأبصار ويؤيده قراءة النصب على تقدير وجعل على أبصارهم غشاوة فيوافق ما في سورة الجاثية وهو قوله تعالى ﴿ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً ﴾ [ الجاثية : ٢٣ ] أو على حذف الجارّ كما سيأتي وهو مخالف لما في شرح الكشاف من أنه استعارة
أصلية لا تبعية ( والذي خطر بالخاطر الفاتر ) أنّ الجملة باقية على اسميتها والنكتة في تغيير الأسلوب إفادة الدوام والثبات الذي يقتضيه المقام لما تقرّر في الأصول من أنّ سبب الإيمان حدوث العالم وتغيره المدرك بالبصر فكل عاقل شاهده بعين الاستبصار والاعتبار استدل به، وترك الأفكار، ومن لم يؤمن كأنه لم يبصره لغشاوة خلقية على بصره وهو معنى الثبات والدوام، وأمّا ما في سورة الجاثية، فالمقام مقتض لبيان عدم قبولهم النصح، ومبالاتهم بالمواعظ المتعاقبة عليهم حيناً بعد حين، فيناسبه الفعل الدال على التجدّد وهذا مما تفرّدت به، ثم قال : والحاصل أنّ استعارة الختم تبعية كما مرّ بيانه، وكذا ما في قوله وعلى أبصارهم غشاوة لكن بالتأويل الذي سمعته فظهر أنّ كلام شراح الكشاف بالنظر لظاهر الآية، وكلام المصئف ومن حذا حذوه بالنظر للتأويل.
( أقول ) لو كان المقام مقتضيا للثبات والدوام لم يكن لتصدير. بالفعلية هنا وجه أصلاَ لأنّ الاستبصار والاعتبار بالقلب، فإذا تجدّد لزمه تجدد الختم أيضاً، وأمّا قراءة النصب على الوجهين، فالغشاوة فيها مصدر، فكيف تكون استعارة تبعية بمقتضى النظر السديد، ولو سلم أنّ المقام يقتضي الثبات في الجملة الثانية تكون قراءة النصب مخالفة لمقتض المقام، ومثله من وساوس الأوهام فالحق أنّ العدول إنما هو للإيجاز، واًنّ منشأ الخلاف إنما هو أنّ الاسم الجامد إذا أوّل بمشتق هل ينظر لأصله فتجعل استعارته أصلية أو لما قصد به لأنه بمعنى الشيء المغشي فتجعل تبعية، وأمّا كونه اسم آلة كالإزار فصلح من غير تراض للخصمين لأنّ الذي ادّعوه هنا أنه اسم لما يشتمل على الشيء كالعمامة، وان ذهب له الراغب كما مرّ، فالحمد دلّه الذي هدانا بفضله لتوفيقه. قوله :( أو مثل قلوبهم ومشاعرهم إلخ ) مثل فعل ماض من التمثيل والظاهر أنه معطوف على سماه لقربه منه، وتناسب جملتيهما في الفعلية والمراد بالاستعارة المقابلة للتمثيل المجاز في المفرد كما مرّ، وفي الحواشي أنه معطوف على قوله المراد وهو بعيد لفظا ومعنى، وان قيل : إنه بنى معناه على التمثيل ولو بناه على الأوّل لم يتعرّض له وفيه نظر، وهو بيان لكونه استعارة تمثيلية بأن يشبه حالة قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم مع الهيئة الحادثة فيها المانعة من الاستنفاع بها في الأغراض الدينية التي خلقت هذه الآلات لها بحال أشياء معدة للانتفاع بها في مصالح مهمة مع المنع من ذلك بالختم والتغشية، ثم يستعار للمشبه اللفظ الدال على المشبه به، فيكون كل واحد من طرفي التشبيه مركباً من عدّة أمور والجامع عدم الانتفاع بما أعدّ له بسبب عروض مانع يمكن فيه كالمانع الأصلي، وهو أمر عقليّ ينتزع من تلك العدّة فتكون الاستعارة حينئذ تمثيلية وليس للإسناد إلى الختم والتغشية في هاتين الفعليتين مدخل في هذا التمثيل كما لا مدخل له في قولك أراك تقدم رجلاَ وتؤخر أخرى، وهل هذا التمثيل تبعيّ في الفعل وحده أو في لفظ مركب ملحوظ بعضه ومنويّ في الإرادة ارتضى الشريف المرتضى الثاني وغيره الأوّل، وعليه إنما صرّح بالختم والتغشية لأنهما الأصل
والعمدة في تلك الحالة المركبة، فيلاحظ باقي الأجزاء بألفاظ متخيلة إذ لا بد في التركيب من ملاحظات قصدية متعلقة بتلك الأجزاء، ولا سبيل إلى ذلك إلاً بتخيل ألفاظ بإزائها، وقد قدمنا لك ما له وعليه في تحقيق الاستعارة في قوله تعالى ﴿ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ﴾ فليكن على ذكر منك، وقد يتوهم من ظاهر العبارة أنّ المشبه القلوب والأسماع، وأنّ الختم تخييل كما ذهب إليه بعضهم، ولله درّ القائل جزاه الله خيرا أنه إذا كان الغرض الأصليّ الواضح الجليّ تشبيه المصدر وذكر المتعلقات بالتبع، فالاستعارة تبعية كما في قوله :