ج١ص٢٨٣
وردت على أسندت، ومن حيث متعلق به مقدّم لما مرّ، والرابط لهذه الجملة ضمير إنها وقيد الحيثية هنا للتعليل، وله معنيان آخران الإطلاق نحو الماء من حيث هو بارد بالطبع والتقييد نحو الإنسان من حيث أنه نشأ بدارنا لا يصح تملكه، وهذا مع أنه أمر مكشوف ذكرته لما قيل عليه من أنّ في تركيبه إشكالاً لأنّ الظاهر أنّ قوله، ومن حيث أنها معطوف على من حيث أنّ الممكنات، فيلزم أن يكون قوله وردت الآية إلخ خبر إلهي ولا مجال له لخلوّه عن الرابط، ويمكن أن يقال الواو داخلة في الحقيقة على وردت وهو مع ما تقدّمه من قوله من حيث إلخ معطوف على مجموع وهي من إلخ. وهو مما يقضى منه العجب،
وأعجب منه ما قيل في توجيهه من أنّ الآية منصوب على الظرفية، والتقدير من حيث أنها مسببة عما اقترفوه وردت في الآية ناعية عليهم فاستسمن ذا ورم، ونفخ في غير ضرم وحاصل ما ردّ به المصنف رحمه الله عليه أنّ الممكنات كلها واقعة بإيجاده وقدرته وان كانت معاصي قبيحة لأنه لا قبح في إيجادها بل في كسبها والاتصاف بها، كالمصوّر لصورة قبيحة إذا تمّ محاكاتها فإنه يدلّ على جودة تصوّره وتصويره والقبح إنما هو في ذي الصورة لا في التصوير. قوله :
( مسببة عما اقترفوه إلخ ) اقترفوه بمعنى اكتسبو. من القبائح لأنه من القرف، وهو قشر اللحاء عن العود والجليدة عن الجرح، ثم استعير للاكتساب مطلقاً إلاً أنه متعارف في القبيح والإساءة كما قيل : الاعتراف يزيل الاقتراف، وهو المراد هنا وفيه إشارة إلى أنّ الباء في الآيتين سببية كما سيأتي في محله، وناعية بمعنى مظهرة ومنادية بتشهير قبائحهم وفيه إيماء إلى أنّ قبائحهم كأنها مهلكة، وقاتلة لهم كانهم قتلوا بها أنفسهم :
قتل المسيءبماجنته نفسه حقاوقاتل نفسه في النار
وفي الأساس عن الفراء النعي رفع الصوت بذكر الموت وكانت العرب إذا مات من له
قدر ركب راكب وساش في الأرض قائلاَ نعاء فلانا ثم قيل مجازا نعى عليه هفوته إذ أشهرها، والشناعة كالقباحة وزناً، ومعنى والوخامة بفتح الواو والخاء المعجمة كالوخام مصدر وخم البلد والمرعى بالضم إذا كان فيه وباء وفساد هواء يضرّ ساكنه، فاستعير هنا لكون العاقبة غير حميدة وهو إشارة لقوله ولهم عذاب عظيم كما أنّ ما قبله لما قبله، وهذا ردّ على ما ادّعاه من أنّ القباحة ونعيها يأبى إسناده إلى الله على الحقيقة، فإنّ الإسناد للاحداث والإيجاد والنعي لاتصافهم بما اقترفوه من الفساد ولا منافاة بينهما. قوله :( واضطربت المعتزلة إلخ ) أي تخالفت أقوالهم فيما أسند إليه تعالى مما مرّ ونحوه لمخالفته لما ادّعوه مما نحن في غنية عن إعادته لشهرته في كتب الأصول، والاضطراب افتعال من الضرب يقال : اضطرب أمره وفي أمره إذا اختلف اختلافا يؤدّي إلى ا لاختلال. قوله :( الأوّل أنّ القوم لما أعرضوا إلخ ) هذا ما ذكره الزمخشريّ بقوله القصد إلى صفة القلوب إلخ كما ذكرناه آنفا، وقد قال قدس سرّه : إنه يعني أنّ الإسناد إليه تعالى كناية عن فرط تمكن هذه الصفة التي هي- الهيثة الحادثة المانعة، وثبات رسوخها في قلوبهم وأسماعهم، فإن كونها كذلك يستلزم كونها مخلوقة لله صادرة عنه فذكر اللازم لينتقل منه إلى الملزوم المقصود فيصدق به ألا تراهم يقولون هو مجبول على كذا ولا يعنون خلقه عليه بل ثباته وتمكنه فيه ولما لم تمكن حقيقة الإسناد على مذهبه وجب عده مجازا متفرّعا على الكناية كما ذكره في قوله تعالى ﴿ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ ﴾ [ آل عمرأن : ٧٧ ] وأنّ
أصله فيمن يجوز عليه النظر الكناية، ثم جرّد في غيره لمعنى الإحسان مجازاً عما وقع كناية عته فيمن يجوز عليه فظهر أنه إذا أمكن المعنى الأصلي كان كناية والاً فمجاز مبنيّ على الكناية فيجوز إطلاق الكناية عليه باعتبار أصله وان انقلب مجاز التغاير اعتباريّ، ولذا جعل بسط اليد وغلها في المائدة مجازاً وفي طه كناية كالاستواء على العرس، ولا منافاة بين قوليه ولا حاجة إلى الدفع بأنه قد يشترط في الكناية إمكان المعنى لأصليّ وقد لا يشترط، وقد سبق إلى بعض الأوهام من قوله كالمختوم عليها، ومستوثق منها بالختم أنّ المشبه به الختم المبنيّ للمفعول دون الفاعل، ولذا قيل إنّ المشبه عدم نفوذ الحق في القلوب والاسماع لا إحداث الهيئة المانعة فيها، وفساده ظاهر لأنه إذا استعير المصدر المبنيّ للمفعول اشتق منه فعل مبنيّ له كما يشتق