ج١ص٢٩٨
وهو بناء على أنّ سورة الفاتحة بمنزلة الخطبة والثناء والدعاء يقدم على مقاصد الكتاب ولا ضير فيه، ولو أريد بالكتاب ا إسورة استغنى عن التوجيه، ولذا قال بشرح حال الكتاب، ولم يقل بشرحه وإعادة المعرفة معرفة في مقام ربما اقتضت المغايرة والقاعدة المشهورة غير كلية، كما قاله العراقي، وان وقع خلافه في القرآن كقوله ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء ﴾ [ آل عمران : ٢٦ ] وعلى الأوّل وهو جار عليها والشرح أصله لغة بسط اللحم ونحوه، ومنه شرح الصدر أي بسطه بنور إلهي، وروح من الله وشرح الكلام، والكتاب إظهار ما يخفى من حاله ومعانيه وهو المراد هنا لأنه وان كان مجازاً صار حقيقة عرفية. وقوله :( وساق بيانه ذكر المؤمنين إلخ ) بيان فاعل ساق وأصل السوق تسيير الدواب فتجوّز به هنا عن اقتضاء ذكره كما يقال سياق الكلام لما ينجرّ له وواطات بمعنى وافقت وطابقت. قوله :( وثنى بأضدادهم إلخ ) قيل إنه يتمشى على العهد، ولا يتمشى على كون تعريف الذين كفروا للجنس متناولاً للخلص وغيرهم، كالمنافقين سواء جعل عاماً خمى بالخبر أو مطلقا قيد به كما مرّ وأجيب بأنه إذا اختص قوله : ومن الناس بالمنافقين، وهم بعضهم دل على أنّ الباقين هم الخلص ضرورة لا لأنّ اللفظ خاص بهم، لأنّ افراد بعض الافراد بحكم خاص يدل على بقاء الباقي على أصل الحكم، كما إذا قلت رأيت بني فلان الكرماء، وبنو فلان منهم العلماء دل على اشتراك الكل في الكرم وأنّ بعضهم علماء، فلو قلت ذكر أو لا من ليس منهم عالماً ثم ثانياً العلماء منهم كان كلاما جاريا على الصحة، وقيل عليه إنّ ضعفه ظاهر لأنه لا يدل على اختصاص الذكر بالأخص غايته أنه حكم على الجنس بحكم يتناول الفزيقين، ثم على البعض منهم بحكم خاص به كما يقال بنو فلان كلهم علماء ومنهم فقهاء، فإنه لا يكون الأوّل ذكرا لغير الفقهاء بالخصوص لا يقال المراد إنّ المقصود الأصلي من ذكر الحكم المشترك المجاهرون بالكفر لمقابلته بالمنافقين لأنا نقول ذلك أيضاً ممنوع، فإنّ إفراد بعض الافراد كالمنافقين لا يراد الأحوال المختصة بهم لا لأنه غير مقصود أصالة من الحكم السابق والفاضل الشريف لم يلتفت لهذا إشارة إلى عدم ارتضائه له، وفي بعض الحواشي إنّ الوجه أنّ مراد العلامة بقوله إنّ الذين كفروا إذا كانت اللام للعهد، أو للجنس الذين محضوا الكفر ظاهراً وباطناً، أمّا على الأوّل فظاهر، وأمّا على الثاني فلأنّ الجنس مطلق والمطلق ينصرف إلى الكامل ولا شك أنّ المتمحضين للكفر ظاهراً وباطناً هم الكاملون في الكفر، فإن قيل لا يرد هذا رأسا على الزمخشريّ حتى يتكلف لدفعه لما مرّ من قوله : إن الإيمان الصحيح أن يعتقد الحق ويعرب عته بلسانه ويصدقه بعمله، فمن أخل بالاعتقاد وإن
شهد وعمل فهو منافق، ومن أخل بالشهادة فهو كافر ومن أخل بالعمل فهو فاسق، فإذا كان الكافر عنده مقابلاً للمنافق كيف يتوجه عليه اعتراض لكنه وارد على المصنف رحمه الله، وقيل : إنه أشار إلى أنّ المراد بالذين كفروا الماحضون المجاهرون بالكفر بقرينة السياق، وهو ذكر المؤمنين ظاهرا وباطنا والسباق، وهو ذكر المنافقين وحالهم، وقد أطلق الكافر على ما يعم الماحض والمنافق إمّ بالاشتراك أو التجوّز حيث قال : الكفر جمع الفريقين معا وصيرهم جنسا واحداً وكون المنافقين نوعاً من نوعي هذا الجنس مغايراً للنوع الآخر بزيادة قيد كالخديعة والاستهزاء لا يخرجهم عن أن يكونوا بعضا من الجنس.
( أقول ) هذا زبدة ما في الشروح من القيل والقال والحق الذي لا محيد عنه أنه لا إشكال
فيه أمّا على العهد، فظامر غنيّ عن البيان وأمّا على غيره فالجنس، ومسمى اللفظ كما يكون بحسب اللغة والوضع الأوّل يكون بحسب العرف سواء أكان عاما أو خاصا والكافر في عرف الشرع والعرف العامّ إنما يقال لمن أظهر جحده، وانكاره سواء كان عن صميم اعتقاد أو عتوّ وعناد، كما أنّ المؤمن من وافق ظاهره باطنه في التصديق، وأمّا إطلاقه على هذا وعلى ما يشمل المنافق، وهو من أظهر الإسلام وأبطن الكفر فبحسب نفس الأمر وحقيقة اللغة، فالمراد هنا الأوّل على ما يشهد له السياق والسباق ولله درّ الفاضل الشريف ما أبعد مرماه، وأسعد مغزاه حيث طوى هذا من البين فتدبر. قوله :( محضوا الكفر ) بتشديد الحاء وتخفيفها بمعنى أخلصوه، وأصل المحض اللبن الذي لا ماء فيه، ثم تجوّز به عما ذكر واشتهر حتى صار حقيقة فيه. وقوله :( ولم يلتفتوا لفتة ) الالتفات الانصراف من جانب إلى آخر، واللفت بكسر