ج١ص٣٠
القرآن أذن في كتابته لأنّ أنسب الأشياء بالإذن آمين، فإذا لم يؤذن فيه كان غيره أولى، وقد قيل عليه لا نسلم هذا بل أنسب الأشياء مما ليس من القرآن البسملة، فإنّ من ذهب إلى أنها ليست من القرآن يقول أثبتت فيه للتبرك والفصل، والإذن من الشارع إلى غير ذلك مما لا يوجد في آمين ولا يخفى أنه محل النزاع ٠ قوله :( والياء متعلقة بمحذوف الخ ( تقديره أي تقدير المحذوف وحروف الجرّ تسمى حروث- الإضافة أيضاً وهي تفضي بمعاني الأفعال وما أشبهها، وما يفضي بمعناه يسمى متعلقا لها بفتح اللام وهي متعلقة بكسرها وقد يعكس ذلك، ثم قال : وسائر الظروف منها ما هو لغو، وما هو مستقرّ بفتح القاف لأن معنى العامل استقرّ فيه فهو من الحذف والإيصال، واختلف في تفسيرهما فقيل : اللغو ما يكون عامله مذكوراً، والمستقرّ ما يكون محذوفا مطلقاً، وقيل : المستقرّ ما يكون عامله عامّا من معنى الحصول والاستقرار، وهو مقدّر واللغو بخلافه كما في اللب، ويسمى مستقرّ التقدير معنى الاستقرار، والمفهوم من اللب وشرحه أنّ اللغو ما يكون عامله خارجا عن الظرف غير مفهوم منه سواء ذكر أو لا والمستقرّ ما فهم منه معنى عامله المقدر الذي هو من الأفعال العامة، ولما كان تقدير الأفعال العامة مطرداً اعتبره النحاة، وفسروا المستقرّ بما عامله محذوف عام وكائن المقذر هنا من كان التامة، وإلا تسلسلت التقديرات، كما قاله الفاضل الشارح، وتقديره خاصاً هنا لأنه أولى عند قيام قرينة الخصوص، وأتم فائدة وكون
هذا لغواً أو مستقرّا علم مما ذكر، والحاصل أنّ متعلقه أما مذكور أو محذوف، وعلى الثاني مؤخر أو مقدم عام أو خاص، فعل أو اسم، مفرد أو جملة، ويضم له معاني الباء فتزيد احتمالاته على ثلاثين، واختار المصنف منها كونه فعلاً خاصاً مؤخرا، وفي الكشاف تقديره أقرأ أو أتلو إشارة إلى أنه لا يتعين هنا لفظ بل كل ما يؤذي هذا المعنى ولظهوره تركه المصخف فلا يتوهم أنّ الأحسن ذكره كما قيل. قوله :( بسم الله أقر " بلفظ المضارع ورجح بعضهم تقديره ماضيا لوروده كذلك كما في الحديث " باسم ربي وضعت جنبي " ( ١ ( ومنهم من قدره أمرا وعن الفراء أنه قال المقدّر فعل أمر لأنه تعالى قدم التسمية حثا ٤ للعباد على فعل ذلك، فالتقدير ابدؤا أو اقرؤا ورواه السيوطي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما، وهو المناسب لتعليم العباد الآتي. قوله :( لأن الذي يتلوه مقروء الخ ) ضمير يتلوه للفظ التسمية، ومقروّ بتشديد الواو وتخفيفها قبل همزة لأنه يقال : صحيفة مقروّة ومقروأة ومقرية، والمراد بما يتلوه ما جعل التسمية مبدأ له، وفي الحواشي الشريفية فإن قلت : الأولى أن يقال لأنّ الذي يتلوه قراءة لأنّ المقصود افتتاح القراءة بالتسمية كما يدل عليه قوله وكذلك يضمر كل فاعل الخ قلت : المراد بتلو المقروّ تلو القراءة لاستلزامه إياه وانما ترك ذكره ودلّ عليه يتلو المقروّ رعاية للمجانسة بين التالي والمتلو إذا أمكنت، وبيانه أنّ البسملة يتلوها فيما نحن فيه شيئان.
أحدهما : من جنسها ويتلو ذكره ذكرها وهو المقروّ.
والثاني : من غير جنسها، ويتلو وجوده ذكرها، وهو القراءة، وتلو كل واحد منهما مستلزم تلو الآخر، فصرّح بتلوّ الأوّل ليفهم الثاني مع المحافظة على التجانس، وإنما قلنا إذا أمكنت الرعاية، لأن تسمية الذابح مثلاً لا يتلوها إلا الذبح لتبع وجوده لذكرها، وأمّا المذبوح فلا يتغ ذكرها لا في الوجود ولا في الذكر فلا يستقيم أن يقال ما يتلو التسمية مذبوح انتهى. فإن قلت على تقدير كونها من القرآن أو السورة كيف يتأتى تقدير أقرأ فعل المتكلم وهي متقدمة على قراءة هذا القارىء بل على وجوده وكيف يتأتى أن يقال القراءة قرينة لهذا المقدر، فينبغي أن يقدر اقرؤا من أمر الله للعباد ليتحد قائل الملفوظ، والمقدر، ويكون على نسق ما نطق به التنزيل. قلت : الظاهر أنه على هذا يقدر قبل قراءة كل قارىء ويكون إخباراً منه تعالى عما يصدر من عباده وليس المراد باقرأ متكلما مخصوصا، بل من يصح منه التكلم على حد قوله :﴿ وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ ﴾ [ الأنعام : ٢٧ ] وبعد الوقوع ينوي كل بالضمير نفسه كما في الاستفتاح بقوله :" وجهت وجهي " الخ ومن هنا يتبين لك وجه جعل القرينة المقروّ دون القراءة، لأن ذلك القدر اقتضى تقديره في الأزل يدل عليه المقروّ قبل وجود القراءة، فعبر به
المصنف رحمه الله بناء على مذهبه، والزمخشري ليشمل المذاهب فلا حاجة لما ذكره قدس سره ولا للاعتذار بأنّ القرينة اللفظية أظهر، ثم قوله إنّ المذبوح الخ إن أراد به


الصفحة التالية
Icon