ج١ص٥
بكسر الميم بزنة منبر البليغ ومن لا يرتج عليه كلامه، والجهير صوته، ومثله لفظا ومعنى مجهر من صقع الديك إذا صاح، أو من الصقع بمعنى الجانب لأنه يأخذ في كل جانب من الكلام، أو من صقعه إذا ضرب صوقعته وهي وسط رأسه، والعرباء كالعاربة الخلص الصريح، وقال ابن قتيبة : العرب العاربة ولد اسماعيل والمتعرّبة غيرهم وهذا معنى آخر غير مراد هنا لأنه للتأكيد من لفظه كليل أليل وظل ظليل كما هو دأبهم إذا ارادوا المبالغة ومن في قوله : من العرب الخ تبعيضية سواء أريد ما هو أعمّ من الفصحاء او خص بهم بقرينة ما بعده لأن منهم خطيبا وشاعر وغيره وليس خاصا بالخطباء، ويجوز أن تكون بيانية بتاويله بما من شأنه ذلك وقيل هي على الأوّل تبعيضية، وعلى الثاني بيانية. وقيل : الأوجه على التقديرين أن تجعل بيانية لأنّ مصاقع الخطباء أخص من مطلق الفصحاء، ولا يخفى أنّ فيه ما هو غنيّ عن البيان. قوله :( فلم يجد به قديرا ) قيل أي لم
يجدهم أو لم يصب إشارة إلى ما في الرضى من أنّ وجد لإصابة الشيء على صفة ومن خصائص أفعال القلوب أنك إذا وجدته على صفة لزم أن تعلمه عليها بعد أن لم يكن معلوما انتهى يعني أنّ أصل معناها الإصابة كوجد ضالتة فيتعدّى لواحد قال المتنبي :
والظلم من شيم النفوس فإن تجد~ذاعفة فلعله لا يظلم
ثم إنها إذا دلت على الوجدان العلمي، كانت مثله في التعدي لاثنين، وهذا يخالف ما
في التسهيل من أنّ كلا منهما معنى على حدة، وليس هذا محل تفصيله، والوجهان جائزان هنا، ولو قيل إنه على تعديه لاثنين مفعوله الأوّل تقديره هنا فلم يجد المتحدي بصيغة المفعول وبه صلتة لتعديه بالباء والضمير للفرقان لم يبعد، وهو أقرب من تعلقه بيجد على أنّ الباء للسببية، أو الملابسة أو بمعنى مع، والضمير للفرقان أولاً قصر سورة أو للتحدي لا للعبد لما فيه من البعد أو هو متعلق بقدير قدم للفاصلة أو للقصر لقدرتهم على غيره والباء بمعنى على كما قال النحاة في قوله تعالى :﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ ﴾ [ آل عمران : ٧٥ ] وقوله تعالى :﴿ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ﴾ [ المطففين : ٣٠ ] أو على ظاهرها لأنه في معنى لاطاقة له به، فلا يعترض عليه بأنّ صلتة على لا الباء لا يقال لا يلزم من نفي كامل القدرة الخاص نفي من له قدرة ما العام لما قيل من أنّ قديرا هنا بمعنى قادر جرّد عن قيد المبالغة أو هو كقوله تعالى :﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ [ فصلت : ٤٦ ] أحد الوجوه، وهو أنّ المبالغة في النفي لا المنفيّ على ما فيه، وقيل : إن المبالغة في وصف العبد به لا تضرّ لأنها باعتبار تعلمه وكسبه. وقيل : إنه لا ضير فيه إذا الآتي بالكامل في البلاغة لا بد من كونه كاملاً كما ستراه في سورة الأنبياء في تفسير قوله :﴿ لَا يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ [ الأنبياء : ١٩ ] على أن المراد بمثله نفى أصل الفعل وعبر بهذا للدلالة على أنه يقتضي الغاية من ذلك، وقيل الباء للملابسة فيصح أن يكون نفي قدير نفي الكامل على ظاهره بلا تكلف، والباء متعلقة بقدير أي لم يجد من يقدر عليه فضلاً عن وجوده، فعدم الوجدان لعالم الغيب والشهادة كناية عن نفي الوجود، وأيضا المبالغة ليست لازمة لفعيل إلا إذا كان من فعل بضم العين، وليس هذا كذلك حتى يلزم أن عدم وجدان القدير لا ينافي ثبوت من يقدر عليه في الجملة، ولو سلم أنه من نفس الصيغة فلا ضير فيه كما مرّ آنفاً، وقيل : عليه أنّ القول بالنقل إنما هو في الصغة المشبهة من المتعدي ولزوم الضرر بعد التعدي ظاهر إذ الآتي بالكامل في البلاغة لا يلزم أن يكون كامل القدرة في ذلك الإتيان وإن كان كاملاً في الجملة فلا يلزم من نفي كامل القدرة نفي الآتي مطلقاً، ولا يخفي ما فيه من الخبط فإن هذا القائل أرجع ضمير يجد لله ليستلزم نفيه نفي الوجود وتصح الكناية، وما ذكر ليس بلازم حتى يرتكب مخالفة الظاهر، وما ذكره في الصيغة لا وجه له كما بينه المعترض مع أنه لم يقف على المراد فإنه عين ما حققه المصنف رحمه الله كغيره في سورة الأنبياء وستعرفه، والأوجه أن الباء بمعنى في الظرفية متعلقة بيجد كقولك
خطب إذا نزل لم نجد فيه معينا أي في شأنه وحاله والضمير للتحدّي، وإذا لم يوجد إذا تحدّى بأقله ذو قدرة تامّة فغيره بالطريق الأولى، وأولى من هذا كله ما قرّره العز بن عبد السلام في الأسئلة القرآنية أن المبالغة كما تكون في الكيف تكون في الكمّ، فالمراد كثرة العجزة عن إعجازه.
واعلم أن الإمام الراغب قال : إن القدير لا يطلق على غير الله تعالى بخلاف المقتدر ففي إطلاقه هنا نظر لا يخفى فتأمّل


الصفحة التالية
Icon