ج١ص٦٩
وهو لبيان الواقع إذ الثناء لا يكون إلا جميلاَ، والثواب سصكماعف كما وعد الكريم به فهو جزيل بالنسبة بما أعطاه أبدا، فلا وجه لما قيل من أنّ الأظهر أن يقول يريد به ثوابا إذ العموم أنسب، فيعتذر بأنه لموازنة ما بعده، ويزيح بزاي معجمة وحاء مهملة مضارع أزاج بمعنى أزال، وفي نسخة مزيح بصيغة اسم الفاعل منه معطوف على مستعيض وهذه أعواض سلبية بخلاف ما قبلها. وقوله :( أنفة الخسة ) الأنفة كثمرة ما يستنكف من عاره، والخسة بالخاء المعجمة الدناءة أي يقصد بما يعطيه ذلك أو عدم لحوق عار الخسة، وفي نسخة رقة الجنسية وهي الأصح رواية عند الفاضل الليثي، والمراد ألم رقة الجنسية كما وقع كذلك في عبارة الغزالي، ونقله هذا الفاضل في حواشيه يعني أنه يرق قلبه، ويتأثر بما يشاهد. من احتياج أبناء جنسه وسوء حالهم فيزيل ذلك الألم عنه بإحسانه، وهذا عوض وفائدة عائدة عليه ولو قيل الرقة هنا بمعنى الضعف، كما في قوله عجبت من قلة ماله، ورقة حاله، كما في الأساس لم يبعد فسقط ما قيل من أنه وقع بهذه العبارة في كتب الكلام في مبحث الحسن والقبح، وليس لها كبير معنى. قوله :( ثم إنه كالواسطة الخ أ قيل : إنّ ما قبله تعليل لعدم صدق البالغ في الرحمة غايتها على غير. ، وهذا تعليل لعدم صدق المنعم الحقيقي على غيره، وقيل : إنه بيان لكونه منعما حقيقيا إذ لولاه لم يكن محسن، ولا إحسان، والأظهر أنه بيان لأنه لا منعم غيره مطلقا وهو أبلغ مما قبله، ولذا عطف بثم لتفاوت رتبتهما لأنه في الأوّل أثبت لغيره إنعاما وهنا نفاه، وقال : كالواسطة دون واسطة لأنها ما يتوقف عليه فعل الفاعل وفعله تعالى لا يتوقف على شيء، وقيل : لأنّ كل ما له دخل في الإنعام فهو بخلقه تعالى حتى الكسب على رأي الأشعري.. قوله :( لأن ذات النعم الخ ) أي ذات النعم حاصلة من خلقه لها، ومعنى كون وجودهاً من خلقه أنّ ثبوته لها مستند له
أيضاً، فلا وبر٤ لما قيل من أنّ نسبة الخلق إلى الوجود غير ظاهرة وأنه بناء على أن الماهيات مجعولة، والداعية هي الخاطر المشوّق للفعل حتى كأنه يدعوه. قوله :( الباعثة الخ ) تفسير له، والقوى جمع قوّة، وهي معروفة شاملة للباطنة والظاهرة المبينة في الحكمة. قوله :( أو لأن الرحمن الخ ) يعني أنّ الوجوه السابقة مبنية على أنّ الأب!خ مشتمل على معنى ما بعده، وهذا ليس كذلك على هذا، لأنّ الرحمن المنعم بجلائل النعم وأصولها كالإيجاد، والرحيم المنعم بما عداها، فأردف به ليتناول ما بقي منها كالتتميم وذكر الرديف وهو البالغ المتمم وإنما يتعين الترتيب المذكور على الأوّل، إذ لو عكس عراً عن الفائدة، وعلى هذا ليس كذلك فلذا أردف الرحيم تنبيها على شمول عنايته ذرات الوجود لئلا يتوهم أنه لا تطلب منه المحقرات لعظيم جنابه كما أفاده الشريف، وفيه ما مرّ فتدبر. قوله :( أو للمحافظة الخ ) الآي جمع آية ورؤوسها أواخرها التي تنتهي بها سميت رأساً مجازاً تشبيهاً لها برأس الجبل والنخلة، ونهايتها التي ينتهي إليها الصاعد من أسفلها، وئذا يقال رأس السنة لآخرها وفي الحديث أنه ﷺ بعث على رأس الأربعين أي آخرها كما بين في السير، وقيل : لأنها عليها مباني الآيات كما أنّ الرأس مبني الإنسان وفيل : عبر عن الآخر بالرأس للتعظيم تأدّبا والمحافظة عليها بمجانسة ما قبل الآخر من الرويّ وحرف اللين وهذا بناء على أنّ في القرآن سجعاً، وفيه كلام سيأني في سورة يس، وقيل وؤوس الآي أوائلها والمعنى لتكون رؤوس الآي بعد كلمات متناسبة، ولا يخفي ما فيه من التكلف، ثم إنّ المحافظة لا تجري في كل سورة بل فيها ما يقتضي خلاف هذا كورة الرحمن ولهذا قيل : إنّ هذا في غاية الضعف لابتنائه على أنّ الفاتحة أوّل نازل! فروعي فيها ذلك، ثم طرد في غيرها وعلى أنها آية من السورة. قوله :( والأظهر أنه غير مصروف الخ ) في التسهيل وشروحه ؤمنع صفة على فعلان ذي فعلى بإجماع النحاة، كسكران سكرى للصفة، والزيادتين المشابهتين لألفي التأنيث في عدم قبولها التأنيث، فلو قبلها انصرف كندمان ندمانة، واختلف فيما لزم تذكيره كلحيان بمعنى كبير اللحية فمن منعه ألحقه بباب سكران لأنه أكثر ومن صرفه رأى أنه ضعيف وادّعى منعه والأصل الصرف انتهى.
وقال ابن الحاجب : الألف والنون إن كانا في اسم، فشرطه العلمية، أو في صفة انتفاء فعلانة، وقيل : وجود فعلي ومن ثمت اختلف في رحمن دون سكران وندمان، وبنو أسد يصرفون


الصفحة التالية
Icon