ج٢ص٧
لأنه وان لم يجعله جوابأ صستقلا بل علاوة غير صالح بوجه من الوجوه لأنّ هذه المعرفة المقارنة للإنكار لا تقتضي صحة العبادة ورب معرفة الجهل خير منها.
قوله :( بعد الإتيان بما يجب تقديمه الخ ) هذا مبنيّ على أنّ المراد بالعبادة عمل الجوارح
فلا يدخل فيها الاعتقاد والمعرفة كما مرّ وقد قيل عليه أنّ الظاهر إدخال أعمال القلب في العبادة لأنها أقصى الخضوع وهو لا يتحقق بدون معرفة المعبود، وقوله والإقرار بالصانع أي أن العبادة لا يعتد بها إلا بعد الإقرار، وقد قيل عليه أنّ الإقرار إن لم يدخل في الإيمان كما ذهب إليه بعض المحققين فلم لا تعتبر العبادة بدونه إلا أنّ المصنف رحمه الله رجح فيما سبق أنّ الإقرار لا بد منه في حصول الإيمان، وفي تفسير السمرقندي رحمه الله أنه روي عن ابن عباس رضي الله عنهما تفسير اعبدوا بوحدوا وخرّج على وجهين أحدهما : أنّ عبادة اللّه لا تكون إلا بالتوحيد فهو سبب لها فأطلقت عليه مجازاً والثاني أن :﴿ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ﴾ بمعنى اجعلوا عبادتكم لواحد لا تعبدوا غيره لأنّ مشركي العرب كانوا يوحدون الله في التخليق وإنما أشركوا الأصنام معه في العبادة فلذا أمروا بالعبادة للواحد الأحد لا غير ثم إنه قدّس سرّه اعترض على قوله بما يجب الخ بأن مجرد معرفة الله والإقرار به ليس كافيا في صحة العبادة بل لا بد معه من التصديق بالنبوّة والاعتراف بها وهو منتف عنهم وأجيب بأنه يريد أنّ هذا القدر من الشرط إن حصل فليضموا إليه ما بقي ثم ليعبدوا وفيه نظر لا يخفى. قوله :( وإنما قال ريكم الخ ( التربية مصدر وفي نسخة الربوبية بضم الراء كالخصوصية وهي مصدر أيضاً وفي نسخة الربية وما ذكر لأن ترتيب الحكم على الوصف يشعر بعليته. وهي قاعدة مشهورة وفي شرح الطيبيّ طيب الله ثراه
فرق بين قوله :﴿ اعْبُدُواْ اللّهَ ﴾ وقوله :﴿ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ ﴾ لأنّ في الثاني، إيجاب العبادة بواسطة رؤية النعم التي بها تربيتهم وقوامهم وفي اعبدوا الله عبادته بمراعاة ذاته عز وجل من غير واسطة وعلى ذلك قوله :﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ﴾ فحيث ذكر الناس ذكر الرب وحيث ذكر الإيمان ذكر لله وهي فائدة لطيفة ينبغي التأمل فيها. قوله :( صفة جرت على الرب للتعظيم الخ ) الجري حقيقة في الاتباع : أي هي صفة أجريت على الرب للمدح إذ لا اشتباه في الرب المضاف إلى الكل فإن خص الخطاب بمشركي مكة احتمل التقييد والتخصيص لإطلاقهم الرلت على آلهتهم والتوضيح لأنه الرب الحقيقي عندهم وهم وسائل وشفعاء فهو في خطاب الشارع لا يحتمل غيره تعالى، والتعليل بيان علة الربوبية بأنه الخالق وكون النعت يفيد التعليل من فحوى الكلام ومن تعليق الحكم بالمشتق فإنه يقتضي عليه مأخذ الاشتقاق وإنما لم يذكره النحاة لأنه ليس وضعياً أو لأنّ بيان علة الشيء توضيح له وإنما قال يحتمل التقييد دون التخصيص لأنهم اصطلحوا على أنّ التخصيص تقليل الاشتراك في النكرات وموصوفه هنا معرفة فالتقييد : رفع الاشتراك الناشئ من إطلاق الرب في استحقاق العبادة بخلاف الخالقية فإنها مخصوصة به عندهم ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ وما ذكرناه من تفسير التعليل بأنه بيان علة كونه ربا ومالكاً لهم لأن المالك الحقيقيّ هو الموجد ولذا قيل إنهم إذا اعتقدوا أنّ الآلهة شفعاء يكون إطلاق الرب بمحنى المالك عليها مجازاً، وسيأتي الكلام فيه وذمب إليه بعض أرباب الحواشي وقيل المراد به بيان علة الأمر بعبادته تعالى وبيان سبب الوجود لأنه المنعم بنعمة الإيجاد وما ينبني عليها، ولهذا قال الرازي : أنه بيالط لأنّ العبادة لا تستحق إلا بذلك وهو الوجه فتدبر. قوله :( والخلق إيجاد الشيء الخ ) التقدير تعيين المقدار والاستواء افتعال من المساواة وهي كما قال! الراغب المعادلة المعتبرة بالذرع والوزن والكيل يقال هذا مساو لهذا أي هما سواء وقوله خلقك فسوّاك أي جعل خلقك على مقتضى الحكمة فقوله على تقدير واستواء أي مشتفلاً على ذلك وقيل يحتمل أن يريد بالاستواء كون ما برز في الوجود على طبق ما قدر في العلم وما دلّ عليه قوله تعالى :﴿ خَلَقَ فَسَوَّى ﴾ [ سورة الأعلى، الآية : ٢، هو أنه جعل له ما به يتأتى كماله ويتمّ معاشه وهذا أفيد لأنّ الأوّل يستفاد من قوله على تقدير غير أنّ قوله خلق النعل الخ يؤيد الأوّل وأصل معناه التقدير ثم قيل للإيجاد على مقدار معين وجاء على أصله في قول


الصفحة التالية
Icon