ج٣ص١٢٨
على وصف الإتيان ونفيا أن يكون له زمان ينفك عنه من غير تعرض لنفي اليأس في غيره ودل بحسب المقام على أنّ الإتيان لإزالة اليأس فصار الحاصل أنه كلما أيس أتاهم من قبلهن، والأقرب ما ذكر بعض الأفاضل أنه في موضع الحال وأنّ النفي والاستثناء لما دل على لزوم الثاني للأوّل كالشرط استعمل فيه وأريد أنه كلما أيس من جميع جهات إتيانهم أتاهم من قبل النساء ( أقول ) :
سهم أصاب وراميه بذي سلم من بالعراق لقد أبعدت مرماك
لا حاجة إلى ما ذكروه كله مما لا نظير له فإنه تمثيل لشدة إغواء النساء وانقياد الناس لهن
بزمام الهوى فالشيطان إذا أيس من إضلال أحد بذاته وفضول نزغاته فلم يقده بحبائل الحيل إلى مهاوي الزلل سلط النساء عليه ليضللنه فإنهن حبائل الشيطان كما في الأثر فيفعلن فهو في حال إضلال النساء له آيس من إضلاله بغير واسطتهن، وكم من مر لا يقبل يلقي بواسطة آخر فيقبله منه من لم يكن قابلاً له قبل فإنّ معهن من الحسن شافعا لا يرد، ومن الكيد ملحا لا تمل، ولذا قال تعالى :﴿ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾ مع ما في قوله :﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [ سورة النساء، الآية : ٧٦ ] فيكون الاستثناء في الحديث على ظاهره مستثنى من أعم الأحوال والأوقات زمان بأسه من الإغواء بلا واسطة منهت فافهمه فإنه بريء من التكلفات بعيد من الشبهات. قوله :( استثناء منقطع الخ ) أراد أن التجارة لما لم تكن من الباطل لم يجز الاتصال فجعل منقطعآ لتخلفه عن اتحاد الحكم بل عن جملة الكلام السابق فتعتبر المخالفة في الحكم، والمغايرة المعنوية بين الكلامين ليصح الاستدراك وحينئذ إن حمل على استدراك النهي عن المحرم بالإرشاد إلى المحلل يقدر لكن اقصدوا أمر إرشاد لأن لا تأكلوا في معنى لا تقصدوا أكلها وان حمل على استدراك المؤاخذة المدلول عليها بالنهي، برفعها لأنّ التجارة مباحة لا مأمور بها قدر ولكن كون تجارة عن تراض منكم غير منهيّ عنه، والأرجح هو الأوّل لظهور المقابلة، والمقصود على الوجهين بيان حاصل المعنى لا أنه مرفوع على الأوّل منصوب على الثاني كما
في بعض الحواشي فإنه فاسد لأنه منقطع منصوب أبدا ولو جعل متصلا على نحو ما سلف لكان وجهاً ولا تخصيص في الآية للتفصي عن الباطل بها، وتفسير الباطل بأنه ما لا عوض فيه، ثم ارتكاب التخصيص أو النسخ تحريف لكتاب الله يستعاذ منه كذا أفاده المدقق في الكشف، وفي الدر المصون إنه لا بد من حذف مضاف تقديره إلا في حال أو وقت أن تكون الأموال أموال تجارة، والحاصل أنّ الاستثناء المنقطع بتقدير لكن وهو مخالف لجنس ما قبله وحكمه والأوّل ظاهر وليس المراد ( لا تاكلوا الآموال بالباطل ) إلا التجارة فلكم أكلها بالباطل كما إذا قلت لا تأخذ أموال الناس بغير حق إلا الحربيين فلك أخذها بغير حق بل هو من حكم مفهوم من الكلام، وهو عدم القصد إليه المفهوم من عدم ا!لأو النهي فيكون هذا مقصودا، أو غير منهي عنه فهو بيان معنى لا إعراب كما توهم فافهمه فإنه من مشكلاته. قوله :( وبجوز أن يراد بها الانتقال مطلقاً الخ ) أي انتقال المال من الغير بطريق شرعي سواء كان تجارة أو إرثاً أو هبة أو غيرها من استعمال الخاص وارادة العام لتظهر صحة الحصر ولكونه بعيداً قال : ويجوز كذا الوجه الذي بعده، وهو أبعد منه لجعل الأكل بمعنى الصرف، وعلى قراءة النصب كان ناقصة واسمها ضمير الأموالط أو التجارة على أن الخبر مفيد بالقيد وهو على حد قوله :
إذا ى ن يوماً ذا كواكب اشنعا
أي إذا كان اليوم يوما الخ والضمير راجع إلى ما يفهم من الخبر، وسيأتي تحقيقه. قوله :
( بالبخع كما تفعله جهلة الهند الخ ) البخع بالباء الموحدة والخاء المعجمة والعين المهملة قتل النفس غما ومراده به مطلق القتل، والموقوف في قتل الهند أنفسها طرحها في النار كما قال الشاعر :
والهند تقتل بالنيران أنفسها وعندنا أنّ ذاك القتل يحييها
وهذا هو الصحيح، وما قيل : كما هو في بعض النسخ الجوع والبجع بباء موحدة وجيم والنخع بنون وخاء معجمة لا يلتفت إليه، وما روي عن عمرو رضي الله عنه رواه الحاكم
وأبو داود وصححه وارتكاب ما يؤدي الخ أعم من التهلكة وتفسيره بارتكاب الذلة بعيد وان كان حسنا كما قال :