ج٣ص١٦٩
وقد فصلها النحرير في شرحه وأشار إلى أنه لم يرض بشيء منها، وعندي أنّ أقرب ما يقال في التوفيق أنّ ضرر أولي الضرر قسمان قسم مانع لتكليف الجهاد بالذات كالعمى، والزمانة ونحوه من العاهات، ومنه أخذ الضرير لفاقد البصر، وهو كناية كما ذكره الراغب، وجمعه أضرّاء، وقسم عارض يعسر معه الغزو كمرض أهل، وما شاكله فالمراد بغير أولي الضرر القسم الثاني لأنه المتبادر من الضرر ويعلم منه القسم الأوّل بالطريق الأولى، وهو المراد بالمصرّج به في النظم فينطبق على سبب النزول، وإذا نفى قد يقصد نفيه بهذا المعنى فقط فيصح حينئذ أن يكون الإضراء، وما في حكمهم غير ذوي الضرر لأن ضررهم ليس بعرضيئ وبصح أن يقال المراد بالقاعدين من غير أولي الضرر الإضراء بقرينة تسويتهم في وعد المثوبة، وجعل التفاوت بينهم درجة واحدة، وأمراً يسيراً، وقد يقصد بنفيهم نفي ما يلزمه، ويعلم حكمه منه بالطريق الأولى بقرينة جعل التفاوت بينهم بدرجات كثيرة، وتخصيص! غيرهم بالرحمة، والغفران، وهذا أقرب من جعل أوّل كلامه مبنيا على وجه، وآخره
على آخر، وهو أن يكون قوله تعالى :﴿ فَضْلُ اللَّهِ ﴾ الخ. جملة استئنافية فإنه لما حكم بالتفاوت بين المجاهدين، والقاعدين غير الإضراء كان سائلاَ يقول فما حال المجاهدين بالنسبة إلى الإضراء، وغيرهم فذكر فضل، وفضل لتفصيل تفضيلهم، وأنه فضلهم على الإضراء درجة، وعلى غير الإضراء درجات لأنه ليس في كلامه ما يدل عليه، والمصنف رحمه الله لما رأى ما فيه تركه، واختار أنّ القاعدين مقيد في الجميع بقيد واحد وأنه كرّر فيه التفضيل للتأكيد، وذكره مرة مجملاً لإيهام الحسنى فيه ووحد الدرجة في الإجمال وجمعها في التفصيل مع زيادة الرحمة، والمغفرة والأجر العظيم، ومن الإجمال والتفصيل أنه نفى عنهم المساواة فاقتضى ذلك التفضيل، ثم صرّح به. قوله :( وقيل الأوّل ما خوّلهم الخ ) يعني بعض المفسرين لم يجعل التفضيل مكرّرا وغاير بينهما بأن جعل الأوّل مالهم من الفضل الدنيوي والثاني الأخروي، ولذا وحد الأوّل وجمع الثاني لأنّ الأجر الدنيوي قليل في جنب الأخروي وخوّلهم بخاء معجمة وواو مثذدة، ولام بمعنى أعطاهم، وأصله إعطاء الخول والعبيد وقوله :( وقيل المراد بالدرجة الخ ) يعني المراد بالتفضيل الأوّلط رضوان الله ونعيمه الروحاني، والثاني نعيم الجنة المحسوس. قوله :) وقيل القاعدون الخ ) هذا ما ذكره الزمخشريّ، وقد مرّ ما فيه، وقوله : اكتفاء بغيرهم لأنه فرض كفاية كما مرّ وارادة جهاد النفس يأباه السياق، وسبب النزول، ولذا أخره، وقال المحدثون هذا لا أصل له، وقوله : يفرط منهم أي يصدر عنهم، وأصل معناه السبق فتجوز به لمطلق الصدور. قوله :( يحتمل الماضي الخ ( وعلى الأوّل ترك التأنيث لأنّ فاعله غير مؤنث حقيقي، وعلى الثاني هو لحكاية الحال الماضية، وبهذا الاعتبار كان
ظالمي أنفسهم بمعنى الحال، وإضافته لفظية فوقع حالاً وأصله تتوفاهم فحذفت إحدى التاءين تخفيفاً، وفسر توفي المجهول بتمكن من الاستيفاء أي القبض، والأخذ وقوله في حال ظلمهم إشارة إلى أنه حال كما مرّ، وكانت الهجرة واجبة في صدر الإسلام ثم نسخت بعد الفتح، وفي الحديث لا هجرة بعد الفتح أي فتح مكة، وقيل إنها تجب الآن من بلد لم يقم فيه شعائر الدين كما في الكشاف، وهو مذهب سيدنا مالك وسيأتي، وفي كتاب الناسخ والمنسوخ أنها كانت فرضا في صدر الإسلام فنسخت وبقي ندبها وبه يجمع بين الأحاديث كالحديث الذي ذكره المصنف رحمه الله، وقوله : نزلت في ناس الغ رواه الطبري. قوله :( توبيخاً لهم ( إشارة إلى جواب ما قيل السؤال لا يطابق الجواب لأن الظاهر كنا في كذا أو لم نكن في شيء فأشار إلى أن محصل السؤال توبيخهم على ترك الهجرة، والجواب اعتذار عنه بعجزهم. قوله :( تكذيباً لهم الخ ( فإنهم كانوا قادرين على الهجرة فكذبوهم أو قصدوا توبيخهم، وهما متقاربان وقطر بمعنى جانب، والهجرة إلى الحبشة هي الهجرة الأولى للصحابة، وهي معروفة في السير والحبشة كالحبش بفتحتين جنس من السودان أطلقت على محلهم مجازاً كما هنا. قوله :( لتركهم الواجب ) يعني الهجرة، ومساعدة الكفار بالإقامة معهم، وفي خبر أن هنا أقوال منها ما ذكره المصنف رحمه الله، وقيل : هو محذوف تقديره هلكوا ونحوه، والمراد بقالوا أي الأول لأن ما بعده جواب، ومراجعة لا يصح


الصفحة التالية
Icon