ج٣ص٢٠٩
في المجرد وإليه أشار المصنف رحمه الله، وأصل معنى العقد الربط محكماً ثم تجوّز به عن العهود، وعقود المعاملات، وقوله : الموثق بالتشديد، والتخفيف. قوله :( قال الحطيئة الخ ) هو شاعر معروف، والبيت من قصيدة له في مدح بني أنف الناقة قوم من العرب كانوا يعيرون بهذا اللقب فلما قال فيها :
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ومن يسوّي بأنف الناقة الذنبا
صاروا يفتخرون به قال شراح الكشاف وفي البيت إشارة إلى كون العقد بمعنى العهد مستعاراً من عقد الحبل على الدلو حيث رشح بذكر الحبل والدلو، وما يتعلق بهما، والعناج بوزن كرام حبل يشدّ في أسفل الدلو ثم يمتد إلى العراقي بفتح العين، والراء والقاف ليكون عونا لها وللوذم فإذا انقطعت الأوذام أمسكها العناج، والعرقوتان خشبتان معترضتان على الدلو الجمع عراقي، والأوذام السيور التي بين أذناب الدلو وأطراف العراقي، والكرب بفتحتين الحبل الذي يثد في وسط العراقي، ثم يثنى ويثلث ليكون هو الذي يلي الماء فلا يعفن الحبل الكبير، ويقال لمن يحكم أمراً وببالغ فيه يملأ الدلو إلى عقد الكرب وخص العقد بالجار لأنه هو المعروف بينهم في العقد لمن نزل بجوارهم وبه يتمذحون، والقصيدة كان سببها ذلك فلا وجه لما قيل لو قال لغيرهم لكان أبلغ، والمستعار في البيت عقد الحبل على الدلو، والمستعار له العهد والميثاق، وما بعده ترشيح، وإنما جعلوا المستعار ذلك، وان كان العقد فيه مطلقا لتبادره ولأنه لولا ذلك لم يترتب جواب إذا على الشرط، ومن غفل عنه قال لا وجه لتقييده بما ذكر. قوله :( وأصله الجمع بين الشيئين الخ ) قال الراغب : العقد الجمع بين أطراف الشيء، ويستعمل في الأجسام الصلبة كعقد الحبل وعقد البناء. قوله :( ولعل المراد بالعقود الخ ) أي
المراد بها ما يلزم الوفاء به أو يستحب مما عقده اللّه أو العباد كالمعاملات، والنذور لأنه جمع محلى باللام فيعم، والأمر في قوله أوفوا لمطلق الطلب ندبا أو وجوبا ويدخل فيه اجتناب المحرمات، والمكروهات، واختاره لأنه أوفق بعموم اللفظ، وأوفى بعموم الفائدة وقيل الحمل على تحليل الحلال أي اعتقاد حله، والعمل على وفقه وتحريم الحرام كذلك أظهر نظرا إلى ما يشعر به سوق الكلام من الإجمال، والتفصيل لا يقال السورة مشتملة على أمّهات التكاليف في الأصول، والفروع لا تختص بالتحليل، والتحريم، وكفى بقوله :﴿ وتعاونوا على البر والتقوى واعدلوا هو أقرب للتقوى ﴾ فلا يلزم حصر المجمل على التحليل، والتحريم، ولو سلم فليكن من التفريع على الأصل لا التفصيل للمجمل كما تقول امتثلوا أوامر الله أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا رمضان لأنا نقول ما وقع في معرض! التفصيل هو التحليل، والتحريم وظاهر أن ليس جميع السورة كذلك، وأنّ المذكور بالتفصيل أوقع منه بالتفريع. قوله :( تفصيل للعقود الخ ا لما مرّ من عمومه، وشموله لها وإنه المتبادر لا التفريع والبهيمة من ذوات الأرواح ما لا عقل له مطلقاً أو ذوات الأربع، وقال الراغب أنه خص في المتعارف بما عدا السباع، والطير وفي العقود خمسة أقوال للمفسرين فقيل العهود، وقيل : حلف الجاهلية، وقيل ما عقد. الله وبعضهم مع بعض، وقيل النكاح، والشركة واليمين والعهد، والحلف والبغ، وقيل الفرائض، وقيل جميع ما ذكر ورجحه بعضهم واليه ذهب المصنف رحمه الله. قوله :( وإضافتها إلى الأنعام للبيان الخ ) قيل البهيمة اسم جنس والأنعام نوع منه فإضافتها إليه كإضافة حيوان إنسان، وهي مستقبحة، وأجيب بوجهين أنّ المراد من البهيمة، والأنعام شيء واحد، وإضافتها إليها على معنى من البيانية أي البهيمة التي هي الأنعام كقوله :﴿ فاجتنبوا الرجس من الأوثان ﴾ [ سورة الحجر، الآية : ٣٠، أي الرجس الذي هو الأوثان، ولا استدراك في ذكر عامّ وتخصيصه أو المراد بالبهيمة الظباء وبقر الوحش، ونحوهما، واضافتها إلى الأنعام لملابسة المشابهة بينهما، وجوّز النحرير في إضافة المشبه للمشبه به كونها بمعنى اللام على جعل ملابسة الشبه اختصاصاً بينهما أو بمعنى من البيانية على جعل المشبه نفس المشبه به، وفيه بحث لأنّ ذكر النوع أو الفرد بعد الجنس لا فائدة فيه، واضافته إليه لغو ومستهجنه كحيوان إنسان أو إنسان زيد، وقوله المراد من البهيمة والأنعام شيء واحد إن أراد قبل الإضافة فليس كذلك، وإن أراد بعدها فكذا إنسان زيد مع أنه بالآخرة يكون