ج٣ص٢٣٤
منهما علة مستقلة لم يعطف أحدهما على الآخر إيذانا بالاستقلال، ودفعا لتوهم أن يكون جزء علة لا علة تائة، وقد أورد عليه بعض فضلاء العصر أنّ ذلك يقتضي بسط يده، والمذكور بقوله أني أريد تعليل لعدم البسط فكيف يشبه أمر المستبين فإنه يصدر من كل منهما هناك سب فتكون تبعة السبين على البادي وقد يقال أن قوله :﴿ ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك ﴾ النفي فيه للقيد يعني إن بسطتها فللدفع لا للقتل دمان احتمل ترتبه عليه وعلى هذا يكون له أثمان إثم قتله، واثم ما صدر من الدافع لتسببه له، وكونه إثماً على حرمة الدفع عندهم ظاهر، وعلى غيره فلأنه فعل ما يأثم فاعله لو لم يكن دافعاً، وهذا أمر تقديري لقوله إن بسطت، وكذا في الحديث لأنّ ما شرطية أو موصولة فيها معنى الشرط، والى هذا أشار صاحب الكشف بقوله ليس هذا من قبيل ما ورد في الحديث لأنه لم يصدر الفعل إلا من طرف واحد فمن أين وجوب تحمل الظالم إثم فعله، ومثل إثم
صاحبه على فرض المقابلة بالإثم وليس بشيء لأنه لم يدّع وجوب التحمل ولا أنّ الحديث دال على هذا القسم بل إنما أراده هابيل وكأنه قال إني أريد أن يضاعف عذابك والإرادة لا تستدعي وجوب الوقوع انتهى ولما لم يفهمه بعضهم قال إنه ناشئ من عدم فهم المراد فتدبر. توله :( إرادة أن تحمل اثمي لو بسطت الخ ) الداعي إلى هذا التأويل أنه يرجع القاتل بإثمه، وأما رجوعه بإثم المقتول إن أريد به إثم قتله فلا إثم له فيه، وان أريد إثمه مطلقا فقد علم أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وقد مرّ أنّ في الآية تأويلين للسلف فعلى ما تدمه المصنف رحمه الله تعالى يكون الدفع بالقتل، وغيره إثما ومعنى الآية إني لا أدفع لخوف ربي، ولو دفعت لكان إثمي، واثمك عليك أما إثمك فظاهر، وأما إثمي فلأنك كنت السبب له، وأنت الذي علمتني الضرب، والقتل لأنه أوّل فاعل له، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من يعمل بها إلى يوم القيامة، وهذا على فرض وقوعه وتنزيله منزلة الواقع فيصح تنظيره بالحديث. قوله :( المستبان ما قالا فعلى البادئ ) الحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه والمستبان مبتدأ وما في ما قالا شرطية، والشرط، وجوابه خبر المبتدأ، وبجوز أن تكون موصوفة بدلاً من المستبان بدل اشتمال أو مبتدأ، وعلى البادي خبره أو خبر مبتدأ محذوف أي فهو على البادي، وما في ما لم يعتد مصدرية فيها معنى المدة، وهي ظرف لمتعلق على، والمعنى المستبان الذي قالاه من السب استقرّ ضرره على الذي بدأ بالسب مدة عدم اعتداء المظلوم ما لم يجاوز المظلوم حد ما سبه البادئ فإذا جاوزه استقرّ ضرر ما قال كل عليه لأن البادي كان سببا في سب صاحبه، وسب المجيب فيه إثم إلا أنه محطوط عنه ما لم يزب في المكافأة كذا قال الزمخشري : وقال النحرير : فإن قيل أيّ حاجة إلى هذا التكلف، وقد دل الحديث على اختصاص الجميع بالبادي عند عدم الاعتداء فلا يكون للمجيب شيء منه قلنا قد حمل الجميع على إثم البادي، ومثل إثم الصاحب فلا يدل على أنّ إثم الصاحب لا يقع عليه.
( بقي هاهنا بحث )، وهو أن تقدير المثل محتمل في الآية كما ذكروا ما في الحديث فقد
ذكر الجميع بلفظ واحد، وهو ما قالا أي إثم ما قالا فلا مجال لحمله على ما تال البادي، ومثل إثم ما قال الآخر إلا بالتزام الجمع بين الحقيقة، والمجاز فالأقرب أن يحمل على ظاهره، ويجعل إثم غير البادي ذا جهتين جهة نفس السب، وهو من هذه الجهة ساقط عنه بالدليل وجهة الحمل عليه، وهو على البادئ لكون هذه الجهة من قبله على طريقة من سن سنة سيئة الخ. فلا يكون من حمل وزر نفس على أخرى، وأما أنّ غير البادي ليس له المعارضة بالمثل بل الرفع إلى الحاكم ليجري على البادي ما هو الحكم من الحد أو التعزير فذلك بحث آخر انته، وهذا ردّ على صاحب الكشف إذ قال حط الإثم عن المظلوم لأنه مكافئ غير صحيح لأنه إذا سب شخص لم يستوف الجزاء إلا الحاكم.
والجواب أنّ صريح الحديث يدل على ما ذكره جار الله، والجمع بين الحكم الفقهي، والحديث أنّ السب إما أن يكون بلفظ يترتب عليه الحد شرعا فذلك سبيله الرفع إلى الحاكم أو بغير ذلك، وحينئذ لا يخلو إما أن يكون بما يتضمن إسناداً أو تفاخراً بنسب، ونحوه مما يتضمن إزراء بصاحبه دون شتم كنحو الرمي بالكفر، والفسق فله أن يعارضه بالمثل، ويدل عليه حديث زينب، وعائشة رضي الله تعالى عنهما، وقوله


الصفحة التالية
Icon