ج٣ص٢٣٨
مرّة فان عاد قطع الأخريان. قوله :( ينفوا من بلد الخ ) اختلف في النفي فقال الحجازيون ينفي من موضحع إلى موضع.
وقال العراقيون : يسجن، ويحبس، والعرب تستعمل النفي بمعنى السجن لأنه يفارق بيته وأهله، وقال ابن عربي : فيه أقوال فقيل : ينفي لبلاد، وقيل : لبلد أبعد، وقيل : يطالبونه بالحد، والى الأول ذهب صاحب المحرر من الثافعية أيضاً كما قال الشاعر :
- اه- ٥١١
خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها فلسنا من الأموات فيها ولا الإحيا
إذا جاءنا ال!سجان يوماً لحاجة عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا
واستدل له بأنّ المراد زجره، ودفع شره فإذا نفي إلى بلد آخر لم يؤمن ذلك منه، واخراجه من الدنيا غير ممكن ومن دار الإسلام غير جائز فإن حبس في آخر فلا فائدة فيه إذ بحبسه في بلده يحصل المقصود، وهو أشد عليه، وقوله : بحيث لا يمكنون من القرار في موضع المراد أنهم يشردون، ويفرقون بحيث لا يجتمعون في مكان كسرا لشوكتهم بالتفريق. قوله :( وأو في الآية الخ ) أي هي للتقسيم، واللف والنشر المقدر على الصحيح، ومن قال بتخيير الإمام جعلها تخييرية، والأوّل علم بالوحي والا فليس في اللفظ ما يدلّ عليه دون التخيير ولأنّ فيها أجزية مختلفة غلظاً وخفة فيجب أن تقع في مقابلة جنايات مختلفة ليكون جزاء كل سيئة سيئة مثلها، ولأنه ليس للتخيير بين الأغلظ، والأهون في جناية واحدة كبير معنى، والظاهر أنه أوحى إليه هذا التنويع والتفصيل، وما قيل إنّ التخيير بالنسبة إلى الإمام، والحاكم فإنه يفعل ما يريد منها مع ملاحظة الجنايات، واستحقاقها صلح من غير تراض للخصمين مع بعده. قوله :( لهم خزي في الدنيا الخ ) قال النووفي رحمه الله تعالى إذا اقتص منه، وعوقب كيف يكون مستحقا لذلك وقد قال النبيّ ﷺ في الحديث الصحيح :" من ارتكب شيئاً فعوقب به كان كفارة له " فيقتضي سقوط الإثم عنه، وأن لا يعاقب في الآخرة، وأجاب بأنه يكفر عنه حق الله، وأما حقوق العباد فلا، وهنا حقان لله والعباد، وفيه نظر، وقوله : مخصوص الخ لأنّ القصاص لا يسقط بالتوبة، ثم إنهم لهم في الدنيا عذاب وخزي، وكذا في الآخرة فاقتصر في الدنيا على الخزي لأنه أعظم من عذابها، واقتصر في الآخرة على عذابها لأنه أشدّ من الخزي، وقوله :﴿ لعظم ذنوبهم ﴾ راجع إلى عذاب الدنيا، والآخرة ووجه دلالة أنّ الله غفور رحيم عليه أنه لا يعفو عن حقوق العباد بل عن حقوقه، وقوله : يسقط بالنوبة الخ إشارة إلى مخالفته لغيره من القصاص.
تنبيه : قال شيخ والدي ابن حجر الهيثمي قول المصنف رحمه الله تعالى يسقط بالتوبة الخ
كلام ظاهر الفساد لأنّ التوبة لا دخل لها في القصاص أصلاً إذ لا يتصور له بقيد كونه قصاصاً
حالتا وجوب، وجوإز لأنا إن نظرنا إلى الولي فطلبه جائز لا واجب مطلقاً أو للإمام فان طلبه منه الولي وجب والا لم يجز من حيث كونه قصاصا والا جاز أو وجب من حيث كونه حدا، وأوله بعضهم بما لا يوافق المذهب فتأمّل.
وقال شيخنا ابن قاسم ادعاؤه الفساد ظاهر الفساد فإنه لم يدع ما ذكر، وإنما ادعى أنّ
لها دخلا في صفة القتل قصاصا وهي وجوبه، وقوله :( إذ لا يتصور الخ ) قلنا لم ياع أنّ له حالتي وجوب وجواز بهذا القيد بل ادعى أن له حالتين في نفسه، وهو صحيح على أنه يمكن أنّ له حالتين بدّلك القيد لكن باعتبارين اعتبار الولي، واعتبار الإمام إذا طلب منه، وقوله :( إن نظرنا الخ ) كلام ساقط ولا شك أنّ النظر إليهما يقتضي ثبوت الحالتين قصاصا، وقوله : فتأمّل تامّلنا فوجدنا كلامه نشأ من قلة التأمّ أنتهى. قوله :( وإنّ الآية في قطاع المسلمين الخ ) قيل عليه المراد بالتوبة عن قطع الطريق، ولا تأثير لها في سقوط الحد بعد القدرة سواء كانت من الكافر أو المسلم، وأما إن توبة الكافر مسقطة لجميع ما كان قبل التوبة فمعلوم من غير هذا الموضع.
واعلم أن مراد المصنف رحمه الله تعالى ما فصله في كتاب الأحكام أنّ محاربة الله ذهب
قوم من السلف إلى أنها إنما تستعمل في الكفار فمن قال به حمل هذه الآية على أهل الردة ورده بأنه ورد في الأحاديث إطلاقها على أهل المعاصي أيضا وأنه لا خلاف بين السلف، والخلف في أن هذا الحكم غير مخصوص بأهل الردة، وإنه فيمن قطع