ج٣ص٢٤٣
الطيبي رحمه الله تعالى إنه ليس بمقول لهم بل وضع موضع مقولهم كما مرّ في قوله :﴿ إنا تقلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ﴾ هو ظاهر، ولا وجه لما قيل ما المانع من أن يكون مقولهم فإنهم كانوا عالمين بالتحريف ومعترفين به فتأمّل، وقوله أنشدك الله قسم، وأقسم عليه بما هو من حال بني إسرائيل، وموسى ﷺ مما يعرفه تأكيداً، وتحريضاً على عدم مخالفته، وقوله على من أحصن أي تزوّج لأنّ في جريان الإحصان الشرعي في الكافر ما هو مذكور في الفروع، وهو حجة على أبي حنيفة في اشتراط الإسلام إلا أن يقال كان ذلك قبل نزول الجزية أو كان على اعتبار شريعة موسى ﷺ.
قوله :( من الله ( أي شيثا آخر يخالفه من الله أو من بدلية، وقوله، وهو كما ترى نص
على فساد قول المعتزلة يعني في أنّ أفعال العباد خيرها، وشرها بإرادة الله، وهو رد على الزمخشريّ حيث وأى الآية صريحة في خلاف مذهبه فقال معنى من يرد الله فتنته من يرد تركه مفتونا، وخذلانه فلن تملك له من الله شيئا فلن تستطيع له من لطف الله، وتوفيقه شيئاً، ومعنى لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لم يرد أن يمنحهم من ألطافه ما يطهر به قلوبهم لأنهم ليسوا من أهلها لعلمه أنها لا تنفع فيهم، ولا تنجع، ولا يخفى تعسفه فيه كما قال : في الانتصاف كم يتلجج، والحق أبلج هذه الآية كما تراها منطبقة على عقيدة أهل السنة في أنه تعالى أراد الفتنة من المفتونين، ولم يرد أن يطهر قلوبهم من دنس الفتنة ووضر الكفر لا كما تزعم المعتزلة من أنه تعالى ما أراد الفتنة من أحد، وأراد من كل الإيمان، وطهارة القلب، وأنّ الواقع من الفتن على خلاف إرادته، وأنّ غير الواقع من طهارة قلوب الكفار مراد أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها إلى آخر ما شنع به. قوله :( والضمير للذين هادوا الخ ) قيل : الأوجه أن يجعل الضمير لأولئك على التقديرين وسماعون للكذب تأكيد لما مر قيل إق الظاهر أنه تعليل لقوله لهم في الدنيا خزى الخ. أو توطئة لما بعده أو المراد بالكذب هنا الدعوى الباطلة، وفيما مز ما يفتربه الأحبار، ويؤيده الفصل بينهما، وأصل معنى السحت المحو، والمحق أطلق على الحرام لأنه ممحوق البركة يقال! سحته وأسحته أي أهلكه وأذهبه والسحت بضمتين وضم فسكون
تخفيفاً وفتحتين اسم منه وأما بفتح فسكون فمصدر أريد به المسحوت كالصيد بمعنى المصيد. قوله :( لو تحاكم كتابيان إلى القاضي الخ ) تحقيق المقام كما في كتاب الأحكام للجصاص رحمه الله تعالى أنّ هذه الآية ظاهرها التخيير، وهي معارضة لقوله تعالى :﴿ وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه ﴾ [ سورة المائدة، الآية : ٤٩ ] فذهب قوم إلى أنّ التخيير منسوخ بالآية الأخرى وأنه كان أوّلاً مخيراً ثم أمر بإجراء الأحكام عليهم، واليه ذهب كثير من السلف، ومثله لا يقال من قبل الرأي وقيل إنّ هذه الآية فيمن لم يعقد له ذمة، والأخرى في أهل الذمة فلا نسخ إلا أن يراد به التخصيص فتأمل لأنّ من أخذت منه الجزية تجري عليه أحكام الإسلام، وقد روي هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أصحابنا أهل الذمة محمولون على أحكام الإسلام في البيوع والمواريث، وسائر العقود إلا في بيع الخمر والخنزير فإنهم يقرون عليه، ويمنعون من الزنا كالمسلمين فإنهم نهوا عنه، ولا يرجمون لأنهم غير محصنين واختلف في مناكحاتهم فقال أبو حنيفة يقرّون عليها، وخالفه في بعض ذلك محمد وزفر وليس لنا اعتراض! عليهم قبل التراضي بأحكامنا فمتى تراضوا بها، وترافعوا إلينا وجب إجراء الأحكام عليهم، واعتبر أبو حنيفة تراضيهما بأحكامنا فلم يجز الحكم عليهما بمجيء الآخر، وخالفه محمد رحمه الله تعالى في هذا فلو أسلم أحدهما لزم الآخر حكم الإسلام، وهذا مما تحقيقه في الفروع فإن أردت تفضيله فراجع كتاب الأحكام للجصاص، والذب بالذال المعجمة الدفع. قوله :( بأن يعادوك لأعراضك عنهم الخ ) يعني أنّ تعليق عدم الضرر بالأعراض باعتبار ما يترتب على عدم الحكم بما يوافق هواهم من العداوة المقتضية للتصدي لضرره فيصير مآل المعنى أن تعرض عنهم فعادوك، وقصدوا ضررك فالله يعصمك منهم، وقيل عليه إنّ المصنف رحمه الله فسر العصمة في قوله تعالى :﴿ واللّه يعصمك من الناس ﴾ [ سورة المائدة، الآية : ٦٧ ] بعصمة الروج، وهي لا تنافي المضرة، وأجيب بأن مراده هنا بإيراد هذه العبارة عدم الضرّ مطلقاً، ولم يقصد حكاية ما في الآية، وقوله فيحفظهم، ويعظم شأنهم إشارة إلى أن المراد بالمحبة ما يلزمها من حفظه هنا، وتعظيمه كما هو شأن المحبوب، وبه يرتبط بما