ج٣ص٢٥٠
من جعله لكل شرعة لأنّ الخطاب يعم الأمم إذ المعنى لكل أمّة لا لكل واحد من أفراد الأمم فيكون لكل أمّة دين يخصه، ولو كان متعبداً بشريعة أخرى لم يكن ذلك الاختصاص قيل، والجواب بعد تسليم دلالة اللام على الاختصاص الحصري منع الملازمة لجواز أن نكون متعبدين بشريعة من قبلنا مع زيادة خصوصيات في ديننا بها يكون الاختصاص، وفيه أنه لا حاجة في إفادة الحصر لما ذكر مع تقدم المتعلق، وأيضا إنّ الخصوصيات المذكورة لا تنافي تعبدنا بشرع من تبلنا لأنّ القائلين به يدّعون أنه فيما لم يعلم نسخة، ومخالفة ديننا له لا مطلقاً إذ لم يقل به أحد على الإطلاق، ولذا جمع بين أضراب هذه الآية وبين ما يخالفها نحو اتبعوا ملة إبراهيم بأن الاتباع في أصول الدين، ونحوها. قوله :( جماعة متفقة على دين واحد الخ ( قيده بذلك ليلا ثم ما قبله وجوز الزمخشريّ أن تكون الأمة بمعنى الملة بتقدير مضاف أي ذوي ملة وارتكبه وإن كان خلاف الظاهر لأنه أوفق بقوله تعالى :﴿ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ﴾ [ سورة العائدة، الآية : ٤٨ ] والمعنى لو شاء أن يجعلكم أمة لجعلكم لكنه لم يشأ، وعبر عن ذلك بقوله ليبلوكم أي أراد ليبلوكم، وقدر أراد دون شاء ليصح تعلق اللام به، وتقدير مفعول شاء مأخوذاً من الجواب هو المطرد، وأمّا خلافه فقد ردّه بعضهم، وقد تقدّم بسط الكلام فيه، وأجبر بالهمز من الجبر والقهر أفصح من جبر. قوله :( من الشرائع المختلفة الخ ) إشارة إلى أنّ اختلاف الشرائع ليس بداء بل لحكم الهية يقتضيها كل عصر، والزيغ العدول عن الحق، والتفريط في العمل إهماله والتقصير فيه، وحيازة فضل السبق لأنه يصير سالكا سنة يشرك من بعده في أجرها، والسابقون السابقون أولئك المقرّبون، وقوله انتهازاً للفرصة أي اغتنام ما يمكن قال :
انتهزالفرصة أنّ الفرصة تصميرأن لم تنتهزها غصه
وقوله :( تعليل الأمر الغ ( قيل أي لطلبه لا للزومه لظهور أن ليس المعنى أنه يلزمكم الاستباق لأجل أنّ مرجعكم إلى الله بل إني آمركم به، أو أنه واجب عليكم لهذه العلة، وفيه نظر لأنه لا معنى للوجوب سوى اللزوم فما المانع من اعتباره. قوله :( استئناف فيه ثعليل الأمر بالاستباق ) أي أنه جواب سؤال مقدر بعد ما قرّر أنّ اختلاف الشرائع لاختبار المطيع الناظر
للحكمة أو المعتقد أنّ لها حكمة، وغيره ممن يتبع هواه فعلة مبادرتهم إلى الطاعة أنّ مرجعهم إلى الآمر المثيب لمن أطاع المعاقب لمن عصى، وقيل إنها واقعة جواب سؤال مقدر أي كيف يعلم ما فيها من الحكم فأجاب بأنكم سترجعون إلى الله وتحشرون إلى دار الجزاء التي تنكشف فيها الحقائق، وتتضح الحكم فلهذا تضمن الوعد والوعيد وقوله للمبادرين والمقصريت لف، ونشر مرتب. قوله :( بالجزاء الفاصل ) يعني أنّ الأنباء مجاز عن المجازاة لما فيها من تحقق ما ذكر. قوله :( عطف على الكتاب الخ ) وقد مرّ تحقيق دخول المصدرية على الأمر ونون أن احكم فيها الضم والكسر، وأمرنا اسم مبتدأ وأن احكم خبره، ومن توهم أنه فعل وأن تفسيرية فقد أخطأ لأنه كما في الدر المصون لم يعهد حذف المفسر بأن قيل، ولو جعل معطوفا على فاحكم من حيث المعنى، والتكرير لإناطة قوله :﴿ واحذرهم أن يفتنوك ﴾ كان أحسن، وهو تكلف لأن أن مانعة عن العطف كما في الكشف والحديث المذكور أخرجه ابن أبي حاتم، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما. قوله :( يعني ذنب التولي الخ ) يعني المراد ببعض الذنوب بعض مخصوص، والتعبير به يقتضي أنّ لهم ذنوباً كثيرة مذا بعضها، والتعبير بالبعض المبهم لتعظيمه كما أن التنوين يذكر للتعظيم لكونه دالاً على تبعيض مبهم فكما دل التنوين عليه دل لفظ بعض عليه كما في بيت لبيد، والتعظيم هنا بمعنى عده عظيما مهولاً ويذكر للتعظيم الذي هو ضد التحقير، ولقد تلطف الشاعر في قوله :
وأقول بعض الناس عنك كناية خوف الوشاة وأنت كل الناس
وهو استعارة تمليحية لا تهكمية، ومن لم يدقق النظر قال بعض بمعنى كل، وهو من الأضداد. قوله :( أو يرتبط ) هو من معلقة لبيد المشهورة التي أوّلها :