ج٣ص٢٥٥
يضموا إلى علو منصبهم، وشرفهم فضيلة التواضع، ولا يخفى أنّ مقابلته بالتضمين تقتضي أنه وجه آخر لا تضمين فيه، ولا يتأتى فيه التضمين لأنه لا تعانق بين المعنيين فلا وجه له، وقيل إنه استعار على لمعنى اللام ليؤذن بأنهم غلبوا غيرهم من المؤمنين في التواضع على علوهم بهذه الصفة مع شرفهم، وعلوّ طبقتهم، وقوله :﴿ أعزة على الكافرين ﴾ تكميل لأنه لما وصفهم بالتذليل ربما توهم أنّ لهم في نفسهم حقارة فقال، ومع ذلك هم أعزة على الكافرين كقوله :
جلوس في مجالسهم رزان وإن ضيف ألمّ بهم خفوق
وهذا أقرب ما قيل لأنها مستعارة للام، ولكنه لوحظ معناها الأصلي كما يفهم من أبي
لهب أنه جهنمي وان قال النحرير أنه لا يعهد مثله، وأضعفها ما قيل إنه على هذا الجار، والمجرور وصف آخر لقوم وقوله :( مع علوّ الخ ) تفسير لقوله على المؤمنين، وخاضعون تفسير لا ذلة، وفي نسخة خافضون. قوله :( أو للمقابلة الخ ( أراد بالمقابلة المشاكلة لأنه اسمها أيضا يعني لما كانت العزة تتعدى بعلى وقد قارنتها عدت بعلى مثلها والمشاكلة يجوز فيها التقدم والتأخر كما بين في محله ويحتمل أن يريد أنّ الذلة لما كانت ضد العزة، وتقابلها عذيت تعديتها لأنّ النظير كما يحمل على النظيريحمل الضد على الضد كما عذوا أسز بالباء حملاً له على جهر وهذا مما صرح به ابن جني وغيره، وقيل إنه يحتمل أنّ الذلة معناها ع!م العزة فلذا عديت تعديتها كأنه قيل غير أعزة على المؤمنين، وهو قريب من الأوّل، وتد يقال إنه وجه للحمل، وجملة يجاهدون صفة أو حال من ضمير أو عزة أو مستأنفة. قوله :( أو حال بمعنى أنهم الخ ) هذا مذهب الزمخشريّ في جواز اقتران المضارع المنفيئ بلا بالواو فإن النحاة جوّزوه في المنفي بلم، ولما، ولا فرق بينهما فلا يرد عليه ما قيل إنهم نصوا على أن المضارع المنفيّ بلا، وما كالمثبت في أنه لا يجوز أن تدخل عليه الواو لأنه بمعنى الاسم الصريح فجاء زيد لا يضحك بمعنى غير ضاحك كما أن معنى جاء زيد يقوم بمعنى قائما والفرق بين العطف والحالية أنه على الأوّل تتميم لمعنى يجاهدون مفيد للمبالغة والاستيعاب، وعلى الثاني تعريض بمن يجاهد، وليس كذلك، وفيه تأمل. قوله :) وحالهم خلاف حال المنافقين الخ ) أورد عليه أن تعيير المنافقين يفيده العطف أيضا بلا فرق وأنّ خشية المنافقين لا تختص باليهود بل يخافون
- اه- ١١، - ٠١. / - ط! / ٣، ٥
لوم المسلمين لو تخلفوا، أو على عدم اجتهادهم لو حضروا. قوله :( وفيها وفي تنكير لائم مبالغتان ا لأنه نفى عنهم مخافة اللوم من أيّ لائم كان، وبانتفاء الخوف من اللومة الواحدة ينتفي خوف جميع اللومات لأنّ النكرة في سياق النفي تعم فإذا انضم إليها تنكير فاعلها استوعب خوف جميع اللوّام فهذا تتميم كذا قيل إلا أنه قيل عليه كيف يكون لومة أبلغ من لوم مع ما فيها من الوحدة فلو قيل لوم لائم كان أبلغ، والجواب بأنها في الأصل للمرّة لكن المراد بها هنا الجنس، وأتي بالتاء للإشارة إلى أنّ جنس اللوم عندهم بمنزلة لومة واحدة ولذا فسروه بلا يخافون شيئاً من اللوم لا يدفع السؤال لأنه لا قرينة على هذا التجوّز مع بقاء الايهام فيه وقوله إشارة إلى ما تقدّم أي، وأفرده لما تقدم ومنهم من خصه ببعضها وهذا أولى، وقوله يمنحه ويوفق له إشارة إلى شموله للايتاء بالفعل، والقوّة، وقوله كثير الفضل يشير إلى أنّ معناه ذلك أو أنه في الأصل كان من الإسناد المجازي ثم غلب حتى صار حقيقية، وقوله بمن هو أهله أي أهل الفضل وخصه وان كان عليما بكل شيء لمناسبة المقام. قوله :( وإنما قال وليكم اللّه الخ ) أي لما قال :﴿ لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ﴾ [ سورة المائدة، الآية : ٥١ ] الخ ذكر عقبه من هو حقيق بالموالاة، وأفرد الولي ليفيد أنّ الولاية لله بالأصال وللرسول، والمؤمنين بالتبع فيكون التقدير كما نبه عليه شراح الكشاف، وكذلك رسوله والذين آمنوا ليكون في الكلام أصل وتبع لا أنّ وليكم مفرد استعمل استعمال الجمع ليلزمه ما لزم لو كان النظم أولياؤكم، والحصر باعتبار أنه الولي أصالة وحقيقة، وولاية غيره إنما هي بالاستناد إليه فلا يرد عليه أنه لو كان التقدير كذلك لتنافي حصر الولاية في الله ثم اثباتها للرسول تحر وللمؤمنين. قوله :( صفة للذين آمنوا فإنه جرى مجرى الاسم الخ ) أي اسم جار مجرى غير الصفات فلذا يوصف، ومجرى الصفات باعتبار صلته فلذا وصف به


الصفحة التالية
Icon