ج٣ص٢٦٨
مع أن الآية الأخرى، وهي قوله تعالى :﴿ أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون ﴾ [ سورة الب!قرة، الآية : ١٨٧ تدلّ على التقدير دلالة ظاهرة.
قوله :( د إنما جيء بيقتلون موضع قتلوا الخ ) يعني إن كذبوا على أصله، وعدل في يقتلون إلى المضارع لقصد الاستحضار، ولم يقصد الزمخشريّ وجه إلاستمرار الذي ذكره هناك، وهو أنهم بعد يحومون حول قتل محمد ﷺ، لأنّ هذا خبر عن أسلافهم وإنما يستقيم ذلك في المخاطبين كما في تلك الآية، ولم يقصد ذلك في التكذيب لمزيد الاهتمام بالقتل، والمصنف رحمه الله تعالى ذكر الاستمرار، وأدخل المخاطبين فيه لأن ما صدر عن أسلافهم كأنه صدر منهم لارتضائهم واقتفائهم أثرهم، ولا منافاة بين استحضار الحال الماضية، والاستمرار لأنه لما قدر أنه شوهدت تلك الحال واستمرارها فيهم عبر عنها بالمضارع لذلك فلا يقال الظاهر أو تنبيهاً للمنافاة بينهما لكن الظاهر المغايرة بينهما لأنّ المراد إما حكاية الحال الماضية أو الاستمرار أي فريقاً تقتين حبعد لأنكم حول قتل محمد-لجببرو، واقتصر العلامة هنا على حكاية أسلافهم لقرينة ضطلؤا الغيبة، وترك تلك الآية على الاحتمالين لقرينة ضمائر
المخاطبين ليكون توبيخاً، وتعييراً للحاضرين بفعل آبائهم، ولذا عقبت هذه الآية بقصة عيسى عليه الصلاة والسلام فتأمل. قوله :( أن لا يصيبهم بلاء وعذاب الخ ) يعني المراد بالفتنة هنا البلاء لا معناها المعروف وأن الخفيفة كما ذكر في النحو إن وقعت بعدما يفيد اليقين فهي مخففة من الثقيلة، وان وقعت بعدما لا يفيد يقيناً، ولا ظناً فهي مصدرية، وان وقعت بعدما يفيد الظن احتملت الوجهين لإجرائه مجرى العلم لقوّته، وتنزيله منزلة غيره لعدم إفادة اليقين، وحسب من هذا القبيل لأنها بمعنى قدر وظن، وهي تنصب مفعولين سدت إنّ وما بعدها مسدهما لاشتماله على مسند، ومسند إليه وقيل إن حسب بمعنى علم هنا، وانها لا تخفف إلا بعدما يفيد اليقين، واسمها ضمير شأن محذوف، وكان تامّة وقيل : إنّ المفعول الثاني محذوف هنا أي حسبوا عدم الفتنة كائنا، وهو منقول عن الأخفش رحمه الله تعالى ومذصب الجمهور ما ذكر، واعلم أنّ هذا كله إنما يتم إذا قلنا كلما شرطية وقد منعه أبو حيان، وقال إنها في معنا. فتعامل معاملته، وهو الحق. قوله :( ثم تابوا فتاب الله عليهم ) أي قبل توبتهم، وأثابهم عليها وذلك إنما يكون بعد توبتهم فلذا قدره، وقوله : كرة أخرى عدل عن قول الزمخشريّ بطلبهم المحال، وهو الرؤبة لأنه مع ما فيه من الاعتزال تكلف لأنّ طلب الرؤية منهم لم يكن بعد عبادة العجل فإن طلبها كان من الذين كانوا مع موسى ﷺ في الطور، وعبادة العجل كانت من المتخلفين عنه إذ ذاك، ولذا قيل إن ثم فيه حينئذ للتراخي الرتبي لا الزماني. قوله :( وقرئ بالضم فيهما على أنّ اللّه عماهم الخ ) الظاهر أنّ عماهم في عبارة المصنف رحمه الله تعالى بالتشديد لأنه ثبت في اللغة عما يعميه أي صيره أعمى، والذي في عبارة الزمخشريّ مخفف فإنه قال على تقدير عماهم الله، وصمهم أي رماهم وضربهم بالعمى، والصمم كما يقال نزكته إذا ضربته بالنيزك، وهو رمح قصير معرب من مصغر نزه لكن قال أبو حيان إنه لم يسمع عماه وصمه، والزمخشريّ أعرف منه باللغة لكنه لغة قليلة كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، والمعروف تعديته بالهمزة، وقد يعدي بالتضعيف فعموا بضم العين، والميم وصموا بضم الصاد والميم مبني للمفعول ويصح أن تقرأ عبارة المصنف رحمه الله تعالى عماهم، وصمهم فتكون مطابقة لعبارة الزمخشريّ. قوله :( بدل من الضمير أو فاعل الخ ) على البدلية الضمير إما عائد على ما قبله أو غير عائد عليهم بل على الكثير مفسر به لأنه في هذه الصورة يجوز عود الضمير
على المتأخر كما مر أو هو فاعل، والواو علامة الجمع لا ضمير، وهذه لغة لبعض العرب يعبر عنها النحاة بأكلوني البراغيث أو هو خبر مبتدأ محذوف واختلف في تقديره فقدره بعضهم العمي، والصم كثير منهم، ومنهم من قدره العمي، والصمم كثير منهم أي صادر منهم والظاهر الأوّل، ولذا اقتصر عليه المصنف رحمه الله تعالى. قوله :( وقيل مبتدأ والجملة قبله خبره الخ ) وضعفه المصنف رحمه الله تعالى بأنّ الخبر الفعلي لا يتقدم على المبتدأ لالتباسه بالفاعل فلا يقال في زيد قام قام زيد على أنه مبتدأ، وخبر ورد بأن منع التقديم مشروط بكون الفاعل ضميراً مستترا


الصفحة التالية
Icon