ج٤ص١٥٢
وردّ هذا بأنّ العرب قد تشبه الأصلي بالزائد لكونه على صورته، وقد سمع عنهم هذا في مصايب ومناير ومعايش، فالمغلط هو الغالط والقراءة وان كانت شاذة غير متواترة مأخوذة عن الفصحاء الثقات، وأما قول سيبويه رحمه الله إنها غلط فإنه عنى أنها خارجة عن الجادة والقياس، وهو كثيراً ما يستعمل الغلط في كتابه بهذا المعنى وإلى ما ذكر أشار المصنف رحمه الله، وقليلا ما تشكرون تقدم الكلام فيه، وصنعت بمعنى أحسنت من الصنيعة وكأنه قال : فيما صنعت ولم يقل ما صنعت إشارة إلى تعذر الشكر لإفراد نعمه. قوله :( أي خلقنا أب كم آدم طيناً الخ ا لما كان أمر الملائكة بالسجود مقدما على خلقنا، وتصويرنا وقد عطف عليه بثم اقتضى تأويله فأوّلوه بوجوه، منها أنّ المراد خلق آدم عليه الصلاة والسلام وتصويره ولكنه لما كان مبدأ لنا جعل خلقه خلقا لنا ونزل منزلته فالتجوّز على هذا في ضمير الجمع بجعل آدم كجميع الخلق لتفرعهم عنه، أو في الإسناد إذ أسند ما لآدم الذي هو الأصل والسبب إلى ما تفرّع عنه وتسبب وليس هذا من تقدير المضاف الذي ذهب إليه بعضهم لأنّ قوله نزل خلقه الخ يأباه، وذهب الإمام رحمه الله إلى أن خلقنا وتصويرنا كناية عن خلق آدم ﷺ وتصويره، قيل وكلام المصنف رحمه الله يحتمله وليس بظاهر. قوله :( أو ابتدأنا خلقكم ثم تصويركم ) بأن خلقنا آدم ثم صوّرناه فالتجوّز في الفعل فالمراد بخلق الجنس ابتداء خلقه وابتداء خلق كل جنس بإيجاد أوّل أفراده، وهو آدم-سح! الذي هو أصل البشر، فهو كقوله :﴿ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ ﴾ [ سورة السجدة، الآية : ٧ ] وعلى هذين الوجهين يظهر العطف بثم والترتيب ثم أشار إلى جواب آخر استضعفه، وهو أنّ ثم لترتيب الأخبار لا الترتيب الزمانيّ حتى يحتاج إلى توجيه والمعنى خلقناكم يا بني آدم مضغا كير مصوّرة ثم صوّرناكم، ثم نخبركم أنا قلنا للملائكة الخ، وقيل إنه للتراخي في الرتبة لأنّ كون أبينا مسجودا للملائكة أرفع درجة من خلقنا ثم تصويرنا. قوله :( ثم قلنا للملافكة اسجدوا لآدم ) قيل الظاهر أن يقول ثم أمرن الملائكة بالسجود لآدم ﷺ، وإنما عدل عته لأنّ الأمر بالسجدة كان قبل خلق آدم على ما نطق به قوله :﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [ سورة ص، الآية : ٧٢ ] والواقع بعد تصويره إنما هو قوله تعالى اسجدوا لآدم لتعيين وقت السجدة المأمور بها قبل هذا يعني أنه أمرهم أوّلاً أمراً معلقاً ثم أمرهم ثانياً أمرا منجزا مطابقا للأمر السابق فلذا جعله حكاية له فما قيل إنه يقتضي أنّ هذا ليس أمرا بالسجود وهو مما لا يتفوّه به عاقل ليس بشيء ينظر فيه. قوله :( لم يكن من الساجدين ممن سجد لآدم ) عليه الصلاة والسلام فيه إشارة إلى أنّ أل موصولة واسم الفاعل بمعنى الماضي وأنّ المنفيّ سجوده لآدم لا للّه، وفائدة هذه الجملة التكميل ودفع احتمال أن يكون معنى إلا إبليس لم يبادر إلى السجود كما بادرت الملائكة فيحتمل أنه سجد بعد ذلك فأتى بهذه الجملة للاحتراس مع المبالغة والإشارة إلى أنه لو صدر منه ذلك لم يعد سجود العدم انقياده باطناً وامتثاله حقيقة. قوله :( ولا صلة الخ ) أي زائدة فإنه يعبر عن الزائد في القرآن بالصلة تأدّبا لأنّ المنع إنما هو عن السجود لا عن تركه قال النحرير : هي مزيدة إلا إذا حمل ما منعك على ما حملك وما دعاك على ما قرره صاحب المفتاح، ثم لا بد في إفادة لا تأكيد معنى الفعل وتحقيقه من بيان، ولم أرهم حاموا حوله اهـ وما أشار إليه حقيق بالبيان فإنّ لا النافية كيف تؤكد ثبوت الفعل مع إيهام نفيه، والذي ظهر لي أنها لا تؤكده مطلقا بل إذا صحب نفيا مقدّماً أو مؤخرا صريحا أو غير صريح كما في غير المغصوب عليهم ولا الضالين وكما هنا فإنها تؤكد تعلق المنع به واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله : الموبخ عليه ترك السجود فتأقل. قوله :( وقيل الممنوع عن الشيء مضطرّ إلى خلافه فكأنه الخ ) هذا عطف على ما قبله بحسب المعنى إذ مآله أنها زائدة أو غير زائدة بأن يكون المنع مجازا عن الإلجاء والاضطرار فمعناه ما اضطرّك إلى أن لا تسجد وهذا قريب من تول السكاكي
أنه بمعنى الحامل والداعي لكنه أبلغ منه، ويحتمل التضمين أيضا وقال الراغب : المنع ضد العطية وقد يقال : في الحماية فقوله ما منعك أن لا تسجد معناه ما حماك عن عدم السجود. فوله :( دليل على أنّ مطلق الآمر للوجوب والفورا لأنّ ترتب اللوم والتوبيخ على مخالفته يقتضي الوجوب، وجعله في وقت الأمر الدال


الصفحة التالية
Icon