ج٤ص١٥٤
تأخير العقوبة فالظاهر أنه أجيب لذلك. قوله :( وفي إسعافه إليه ابتلاء العباد وتعريضهم للثواب بمخالفته ) ضمير إليه أمّا لما سأله أو ليوم الوقت المعلوم، وهو دفع لما يخطر بالبال من أنه أجابه لسؤاله مع ما فيه من إفساد خلقه، وقد تبع فيه الزمخشرفي وهو كما قال النحرير : كغيره مبنيّ على تعليل أفعاله بالإغراض وعدم إسناد القبائح والشرور إليه مع أنه ليس بشيء لأنّ حقيقة الابتلاء في حقه تعالى محال ومجازه وهو أن في الإنظار منه ابتلاء امتحانا لا يدفع السؤال ولأنّ ما في متابعته من ألم العقاب أضعاف ما في مخالفته من عظيم الثواب، بل لو لم يكن له الأنظار والتمكين لم يكن من العباد إلا الطاعات وترك المعاصي فلم يكن إلا الثواب كما للملائكة والأولى أن لا يخوض العبد في أمثال هذه الأسرار، ويفوّض حقيقتها إلى الحكيم المختار.
( أقول ) الظاهر أنّ الابتلاء هنا بمعنى جعلهم ذابلية ومشقة فليست حقيقته محالاً عليه
تعالى إذ ليس المراد الاختيار وكون أفعاله تعالى فيها حكم ومصالح مما لا ينكر، فالظاهر عدم وروده على المصنف رحمه الله تعالى، وان ورد على الكشاف فلا تكن من الغافلين. قوله :( أي بعد أن أمهلتني لأجتهدن في إغوائهم الخ ( بعدية الإمهال مأخوذة من الفاء والاجتهاد من قوله لأقعدنّ لهم الخ كما سيأتي، وقوله :) بسبب إغوائك ) إشارة إلى أنّ الباء للسببية وما مصدرية، ولما أسند الإغواء وهو إيقاع ألغيّ أي الاعتقاد الباطل في القلب إلى الله والمعتزلة لا تجوّز إسناد القبائح إليه تعالى أوّلوه فتارة قالوا إنه قول الشيطان فليس بحجة، وتارة بأن الإغواء بمعنى النسبة إلى الغيّ كأكفره إذا نسبه إلى الكفر، أو المراد التسبب في الغيّ بما أمره به من السجود فهذه التأويلات المذكورة مذهبهم كما صرّح به في محل آخر، فكان ينبغي أن لا يتبعهم هنا ويفسره بخلق الغيّ فيه أو يذكره أيضاً ليكون على لمذاهب، وقد قيل في دفعه إنه فهم هذا من السياق لأنّ المذكور هو الأمر بما يفضي إليه أو يجعل الإغواء بمعنى الترغيب لما فيه من الغواية، والأمر هو لا يجوز من الله كما هو مراد اللعين من قوله لأغوينهم. قوله :( تسمية ) المراد به الوصف والنسبة كما مر، وقوله أو حملاً أي خلق فيه من الأشياء ما حمله عليه أو تكليفا بما غويت وهو الأمر بالسجود فمعنى الإغواء إحداث سبب الغيّ وايقاعه فالتجوّز في المسند لا في الإسناد. قوله :( متعلقة بفعل القسم ( أي بسبب إغوائك أقسم بك أو بعزتك لأقعدنّ الخ، فإن كان هو قسما أوّل بتكليفك إياي حتى يكون القسم به صفة من صفات الأفعال، وهو مما يقسم به في العرف وان لم تجر الفقهاء عليه أحكام اليمين فيكون القسم تكرّر منه فتارة أقسم بهذا وتارة بالعزة، وصدر لام القسم منعها عن عمل ما بعدها فيما قبلها
لأنها لها الصدر على الصحيح، وأما جعل ما استفهامية لم تحذف ألفها وتعلق الباء بأغويتني فلا يخفى ضعفه وان قيل به. قوله :( ترصدا بهم ) الظاهر أنه أراد أنه كناية عن ترصده لهم، ويحتمل التمثيل أيضا، ولما كان الصراط ظرف مكان مختص ومثله لا ينتصب على الظرفية إلا في شذوذ ذهب بعضهم إلى أنه مفعول به بتضمين أقعدن معنى ألزمن وآخرون على أنه على نزع الخافض، وهو على أو منصوب على الظرفية شذوذا كما في الشعر المذكور وهو من قصيدة لساعدة بن جؤبة أوّلها :
هجرت غضوب وحبّ من تتجنب وعدت عواد دون وليك تشعب
شإب الغراب ولا فؤادك تارك ذكر الغضوب ولا عتابك يعتب
ومنها في وصف رمح :
لدق بهزالكص يعسل متنه فيه كماعسل الطريق الثعلب
ومعنى لدن لين والعسلان الاهتزاز والاضطراب وبه يوصف مثى الذئب والثعلب، إذا أسرع، وض! مير فيه للكف أو للهز، وأعلم أنّ المشهور أنّ الطريق ظرف محدود لا ينصب على الظرفية، وذهب بعض شرّاح الكتاب إلى أنه غير محدود ينصب قياساً وقال : إنه مراد سيبويه رحمه الله وقد يجمع بينهما بأنه بحسب وضعه عاثم معناه كل أرض تطرق أي يمشي عليها ثم خص بما يسلكه الناس من ممرّ السابلة دون الجبال والوهاد. قوله :( أي من جميع الجهات الأربع مثل قصده الخ ) يعني هذه استعارة تمثيلية شبه حال وسوستة لبني آدم بقدر الإمكان بحال إتيان العدّ ولمن يعاديه من أقي جهة أمكنته، ولذا لم يذكر الفرق


الصفحة التالية
Icon