ج٤ص١٥٥
والتحت إذ لا إتيان منهما، فقوله من جميع الجهات أي جميع الجهات التي يؤتى منها، كما صرّح به بقوله من أي وجه يمكنه فلا ينافي قوله ولذلك لم يقل الخ والتسويل تحسين الشيء وتزيينه للإنسان ليفعله، وقوله :﴿ لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ ﴾ ترشيح لهذه الاستعارة. قوله :( وقيل لم يقل من فوقهم الخ ) عطف على قوله ولذلك لم يقل الخ فإن كان مبنيا على التمثيل أيضاً فالفرق بينهما أنّ ترك هاتين الجهتين على الأوّل لعدمهما في الممثل به وعلى الثاني لعدمهما في الممثل، وان كان مبناه على أنه لا تمثيل قيل، وهو الأظهر فالفرق واضح فلا يرد أنه إذا بنى الكلام على التمثيل لا
حاجة إلى الاعتذار عن تركهما. قوله :( وعن ابن عباس رضي الله عنهما من بين أيديهم من قبل الآخرة ) هكذا أخرجه ابن أبي حاتم فعلى هذا ليس الكلام كله تمثيلا واحداً بل مجازات أو استعارات أو كنايات فما بين أيديهم الآخرة لأنها مستقبلة آتية، وما هو كذلك كأنه بين اليدين، ومن فسره بالدنيا فلأنها حاضرة مشاهدة وما خلفهم الدنيا لأنها ماضية بالنسبة إلى الآخرة ولأنها فانية متروكة مخلفة ومن فسره بالآخرة فلأنها مغيبة عنهم وتفسير الأيمان بالحسنات والشمائل بالسيئات لأنهم يجعلون المحبوب في جهة اليمين وغيره في جهة الشمال كما قال :
أبيني أفي يمني يديك جعلتني فافرج أم صيرتني في شمالك
قوله :( ويحتمل أن يقال من بين أيديهم الخ ) فيكون المراد بما بين أيديهم ما يعلمونه لأنّ
ما هو كذلك محسوس مشاهد، وضحدّه ما كان خلفاً وما كان بجانب اليمين والشمال يسهل أخذه وتناوله فلذا عبر به عما ذكر، وقال بعض حكماء الإسلام إنه إشارة إلى القوى الأربع فما بين أيديهم وما خلفهم إشارة إلى القوّة المودعة في مقدّم الدماغ والمودعة في مؤخره وما بين أيديهم إشارة إلى الشهوة المودعة في الكبد وهو في اليمين وما خلفهم إلى الغضب في القلب وهو في اليسار. قوله :( وإنما عدّى الفعل إلى الآوّلين بحرف الابتداء لخ ) هذا ما حققه الزمخشرقي وهو من أسرار العربية لأنّ اختلاف حروف التعدية مع المفعول به، وفيه لقصد معان لاحظوها ينبغي التيقظ لها فإنه كما قال : لغة تؤخذ ولا تقاس وإنما يفتش عن صحة موقعها فقط فلما سمعناهم يقولون جلس عن يميته وعلى يمينه وعن شماله وعلى شماله قلنا معنى على يمينه أنه تمكن من جهة اليمين تمكن المستعلي من المستعلى عليه، ومعنى عن يميته أنه جل!بى متجافياً عن صاحب اليمين منحرفا عنه غير ملاصق له ثم كثر حتى استعمل في المتجافي وغيره ونحوه من المفعول به نحو رميت عن القوس وعلى لقوس ومن القوس لأن السهم يبعد عنها ويستعليها إذا وضحع على كبدها للرمي، ويبتدأ الرمي منها وكذلك قالوا جلس بين يديه وخلفه يعني في لأنهما ظرفان للفعل ومن بين يديه ومن خلفه لأنّ الفعل يقع في بعض الجهتين كما تقول جثتة من الليل تريد بعض الليل، ولا مخالفة بينهما إلا في جعل من ابتدائية، والزمخشريّ جعلها تبعيضية وأشار إلى أنّ فيها معنى الابتداء أيضا وقيل خص اليمين والشمال بعن كا! ثمة
ملكين يقتضيان التجاوز عن ذلك. قوله :( مطيعين الخ ا لشمول الشكر لأعمال الجوارح، ووجد إن كان معنى صادف نصف مفعولاً واحداً وبمعنى علم بنصب مفعولين فإن نصب مفعولين فشاكرين هو الثاني والا فهو حال والجملة مستانفة أو معطوفة على المقسم عليه، وقوله قال ذلك ظناً أي قال ذلك لما رآه من الإمارات على طريق الظن، وقوله لقوله باللام دليل لا تشبيه، وفي نسخة كقوله بالكاف، ومبدأ الشرّ القوّة الشهوية والغضبية، ومبدأ الخير ألعقل، وقوله سمعه من الملائكة فيكون علماً لا ظنا وهذا إشارة إلى تأثير إغوائه في غير القليل الذين قال الله فيهم :﴿ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ
[ سورة سبأ، الآية : ٢٠ ] ولم يفرّعه لأنه بمقتضى الجبلة لا بمجرّد إغوائه. قوله :( مذؤما مذموماً من ذأمه الخ ) مذؤما حال وكذا مدحورا أو هو صفة، وفسر مذؤما بمعنى مذموما وفسره الليث بمحقراً، وفي فعله لغتان ذأمه يذأمه بالهمزة كرامه يرأمه وذامه يذيمه بالألف كباعه يبيعه ومصدر المهموز أم كرأس ومصدر المعتل ذام كقال وبهما روي المثل إن تعدم الحسناء ذاماً، والذأم العيب وقال ابن قتيبة : الذم والقراءة المشهورة مذؤماً بالهمز كمسؤلاً من ذأمه، وقرئ مذوما بذال مضمومة وواو ساكنة وهي تحتمل أن تكون مخففة


الصفحة التالية
Icon