ج٤ص١٦٤
( ما تزايد قبحه الخ ) يعني الفحش زيادة القبح وما يتعلق بالفروج هو الزنا أو يعمّ الملامسة والمعانقة، وقوله : جهرها وسرّها روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم كانوا يكرهون الزنا علانية ويفعلونه سرّاً فنهاهم الله مطلقاً، وقال الضحاك : ما ظهر الخمر وما بطن الزنا، وقيل الفواحش الكبائر مطلقاً. قوله :( وما يوجب الإثم تعميم بعد تخصيص وقيل شرب الخمر ) أصل معنى الإثم الذم فأطلق على ما يوجبه من مطلق الذنب وذكره للتعميم بعد التخصيص بما مرّ من معنى الفواحش، وقيل إن الإثم هو الخمر قال الثاعر :
نهانا ريسول الله أن نقر الزنا وأن نشرب الإثم الذي يوجب الوزرا
وهو منقول عن ابن عباس رضمي الله عنهما والحسن البصري، وذكره أهل اللغة
كالأصمعي وغيره قال! الحسن : ويصدّقه قوله تعالى :﴿ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾ [ سورة البقرة، الآية : ٢١٩ ] وقال ابن الأنباري : لم تسم العرب الخمر إثما في جاهلية ولا إسلام والشعر المذكور موضوع، وردّ بأنه مجاز لأنها سببه، وقال أبو حيان رحمه الله : إنّ هذا لتفسير غير صحيح هنا أيضا لأن السورة مكية، ولم تحرم الخمر إلا بالمدينة بعد أحد وقد سبقه إلى هذا غيره وأيضا الحصر حيحئذ يحتاج إلى التأويل. قوله :( الظلم أو الكبر ) أفرده بالذكر للمبالغة بناء على التعميم فيما قبله أو دخوله في الفواحش لأن تخصيصه بالذكر يقتضي أنه تميز من بينها حتى عد نوعا مستقلاً. قوله :( متعلق بالبني مؤكد له ا لأن البغي لا يكون إلا بغير حق أو حال مؤكدة لأن الحال يتعلق معناها بصاحبها لأنها صفة معنى وقوله معنى راجع إلى قوله مؤكد، ويصح صرفه لما قبله من التعلق والتأكيد. قوله :( تهكم بالمشركين الخ ا لأنه لا يجوز أن ينزل برهانا بأن يشرك به غيره، قيل في الانتصاف قياسه أن يكون كقوله :
على لا حب لا يهتدي بمناره
( قلت ) هذا هو الحق لأن المعنى حرّم ربي أن يشركوا به شركاء لا ثبوت لها وما أنزل الله لإشراكها سلطاناً فبالغ في نفي الشريك بنفي لازمه لينتفي ملزومه بالطريق البرهاني، ا هـ ورد بأنّ التهكم إنما جاء من حيث إنه يوهم أنه لو كان عليه سلطان لم يكن محرّما دلالة على تقليدهم في الغي والمعنى على نفي الإنزال والسلطان معا على الوجه الأبلغ على أسلوب ولا ترى الضب بها ينحجر.
كما صرّحوا به في تفسير قوله تعالى :﴿ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ﴾ [ سورة آل عمران، الآية : ٥١ ا ] ومنه يظهر أن لا منع من الجمع يعني بين التهكم والأسلوب المذكور كما توهمه ذلك القائل ومنه تعلم أن الكلام التهكمي لا يلزم أن يكون من استعارة التضادّ كما توهم، وفي قوله وتنبيه نظر. قوله :( بالإلحاد في صفاته ) أي العدول عما وصف به من الوحدة إلى غيره من اتخاذ الشريك كما يدل عليه ما قبله. قوله :( مدّة أو وقت لنزول العذاب الخ ) أي الأجل المدة المعينة للشيء كالدين والموت وآخر تلك المدة وقد اشتهر في المدة المضروبة لحياة الإنسان والمراد هنا مدة أمهلوها لنزول العذاب أو وقت نزوله المعين له، كما نقل عن الحسن وابن عباس رضي الله عنهما ومقاتل، وذهب بعضهم إلى أنه وقت الموت والتقدير ولكل أحد من أمّة وعلى الأول لا حاجة إلى تقدير فيه لأن المراد لكل أمة زمان معين
لإهلاكهم وانقراضهم فإنه ليس المراد بالأجل فيه العمر والا لقال لكل واحد بل أجل عذاب الاستثصال فإنه تعالى أمهل كل أمة كذبت رسولها إلى وقت معين إذا جاء ذلك الوقت نزل بهم العذاب، ولذلك تال إنه وعيد لأهل مكة، وقال ابن جني : قراءة الجمع على الظاهر لأن لكل إنسان أجلاً وأما إفراده فلقصد الجنسية والجنس من قبيل المصدر وأيضا حسن الإفراد لإضافته إلى الجماعة ومعلوم أنّ لكل إنسان أجلاً، وقوله انقرضت مدّتهم أي انقطعت وتمت مدة إمهالهم بمجيء آخرها فمجيء الأجل مجاز عن تمامه وهو على تفسيره بالمدة أو جاء بمعنى حان أي قرب وجاء حينه والأجل وقت نزول العذاب على التف ير الثاني ولإضافة في قوله وقتهم لأدنى ملابسة. قوله :( أي لا يتأخرون ولا يتقدّمون أقصر وقت الخ ( لما كان الظاهر عطف لا يستقدمون على لا يستأخرون كما أعربه الحوفي وغيره أورد عليه أنه فاسد لأنّ إذا إنما يترتب عليها الأمور المستقبلة له الماضية والاستقدام حينئذ بالنسبة إلى محل الأجل متقدم عليه فكيف يترتب عليه ما تقدمه ويصير من باب الإخبار بالضروري الذي لا فائدة فيه كقولك إذا قمت فيما يأتي لم يتقدم قيامك


الصفحة التالية
Icon