ج٤ص١٧٨
معناه إلى أقل ما يطلق عليه اسم الضلال، وهذا معنى كونه أخص!، ولا يبعد تفسيره بالأقل فردا وظاهر، أنّ نفيه أبلغ من نفي الجنس المحتمل للكثرة، أو الانصراف إلى الكمال، كما يحتمل نفس الماهية، ولا كذلك احتمال رجوع النفي في المرة إلى الوحدة، بمعنى ليس بي ضلالة بل ضلالات، كما في جاءني رجل بل رجلان لأنه مضمحل، في هذا المقام لا مجال للوهم فيه فسقط ما أورد على ذلك برمته، وأغنى عما وقع هنا للشراح من القيل والقال، واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله شيء من الضلال فتدبر، وقوله بالغ في النفي حيث نفى عن نفسه ملابسة ضلالة واحدة، وبالغوا في الإثبات حيث أكدوا كلامهم بأنّ واللام، وجعلوا الضلال ظرفا له، وقوله وعرض لهم به لأنّ تقديم المقيد لاختصاص النفي به يقتضي أنه ثابت لهم، وهو المراد بالتعريض لأنه من عرض الكلام ومفهومه. قوله :( استدراك باعتبار ما يلزمه الخ ) في الكشاف فإن قلت كيف وقع قوله ولكني رسول استدراكاً للانتفاء عن الضلالة، قلت كونه رسولاً من الله مبلغا رسالاته ناصحا في معنى كونه على الصراط المستقيم فصح لذلك أن يكون استدراكا للانتفاء عن الضلالة، فقيل عليه معنى الاستدراك أن يقع للمخاطب في الجملة السابقة وهم فيتدارك ذلك الوهم بإزالته، فلما نفى الضلالة عن نفسه فربما يتوهم المخاطب انتفاء الرسالة أيضاً كما انتفى الضلالة فاستدركه بلكن، كما في قولك زيد ليس بفقيه، لكنه طبيب، وأما جوابه بأن إثبات الرسالة في معنى الاهتداء واثبات الاهتداء استدراك لنفي الضلالة ففيه بعد، لأنه لما نفى الضلالة لم يذهب وهم واهم إلى نفي الاهتداء أيضاً حتى يحتاج إلى تداركه، ويمكن أن يقال إذا لم يسلك طريقا فلا
اهتداء ولا ضلال، وقال النحرير : متعقبا له إن كان القصد إلى مجرّد كون لكن يتوسط بين كلامين متغايرين نفيا واثباتاً فوجه السؤال والجواب ظاهر، وأمّ إذا أريد بالاستدراك رفع التوهم الناشئ من الكلام السابق على ما هو المشهور، وعلى ما قاله المصنف رحمه الله تعالى معنى الاستدراك أنّ الجملة التي يسوقها أولأ يقع فيها وهم للمخاطب فيتدارك ذلك الوهم بإزالته، كقولك زيد ليس بفقيه ولكته طبيب، ففي الكلام إشكال لأن نفي الضلالة ليس مما يقع فيه نفي كونه رسولأ، وعلى صراط مستقيم، وما في الكتاب غير واف بحله بل ترك ما ذكره من التأويل أولى، إذ يمكن أن يقال ربما يتوهم المخاطب عند نفي الضلالة انتفاء الرسالة أيضاً، لكن توهم انتفاء الهداية مما لا وجه له إذ من البعيد أن يقال نفي الضلالة، ربما يوهم نفي سلوك الطريق المستقيم، وحيث لا سلوك لا هداية، كما لا ضلالة والظاهر أن المصنف رحمه الله تعالى لم يقصد سوى أنه عند نفي أحد المتقابلين قد سبق الوهم إلى انتفاء المقابل الآخر، لا إلى انتفاء الأمور التي لا تعلق لها به، فأول ما وقع في معرض الاستدراك بما يقابل الضلال مثلا يقال زيد ليس بقائم لكنه قاعد، ولا يقال لكنه شارب إلا بعد التأويل بأن الشارب يكون قاعدآ، وقد قيل : إنّ القوم لما أثبتوا له الضلالة أرادوا به ترك دين الآباء ودعوى الرسالة، فهو حين نفي الضلالة توهم منه أنه على دين آبائه، وترك دعوى الرسالة، فوقع الأخبار بأنه رسول، وثابت على الصراط المستقيم أستدراكا لذلك، ولا خفاء في أن هذا ليس كلام الكتاب، اهـ وما ذكره تحقيق بديع لكن المذكور في العربية كما نقله صاحب المغني أنّ للنحاة في الاستدراك ولزومه لها قولين : فقيل الاستدراك أن تنسب لما بعدها حكما مخالفاً لما قبلها سواء تغايرا إثباتا ونفياً أولاً، وقيل هو رفع ما يتوهم ثبوته، وهو التحقيق كما يشهد به من تتبع موارد الاستعمال، وما ذكره أوّلاً مخالف للقولين إلا أن يرجع إليه بضرب من التأويل، وقال بعض المتأخرين من علماء الروم : النظر الصائب في الاستدراك هنا أن يكون مثل قوله :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
الخ وقوله :
سوى أنه الضرغام لكنه الوبل
أي ليس بي ضلالة وعيب، لكني رسول من رب العالمين فليتأفل، ومحصل كلام المصنف رحمه الله تعالى أنها واقعة بين متغايرين بحسب التأويل، وهي تفيد التأكيد في مثله، كما صرح به النحاة فلا يرد السؤال الذي أورده بعضهم هنا، وهو فإن قيل لا فائدة في الاستدراك لأنّ نفي الضلالة يستلزم الهدي، قلنا المراد من الهدي الهداية الكاملة، ونفي الضلالة لا يستلزمها. قوله :( صفات لرسول أو استئناف ) قيل إذا كانت الجملة صفات جاز فيها التكلم لأنها خبر