ج٤ص١٨٦
الحجر وهلكت، وروي أنه خلفها مع قومها وسيأتي تفصيله، وللغابر معنيان كما ذكره أهل اللغة المقيم وعليه قول الهذلي :
فغبرت بعدهم بعيش ناصب
أي أقمت ويكون بمعنى الماضي والذأهب، وعليه قول الأعشى :
في أمّة في الزمن الغابر
فهو مشترك ويكون بمعنى الهالك أيضا، وعلى الوجه الأوّل إنها كانت مع القوم الغابرين
فلا تغليب، أو كانت بعضا منهم فيكون تغليباً، كما في قوله :﴿ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴾ أسورة التحريم، الآية : ١٢ ] كما مرّ. قوله :( أي نوعاً من المطر عجيباً الخ ( أي التنكير للتعظيم والنوعية فلا منافاة بينهما، وسجيل معرّب معناه طين متحجر وفي الكشاف في الفرق بين مطر وأمطر مطرتهم أصابتهم بالمطر كغاثتهم وأمطرت عليهم كذا بمعنى أرسلته عليهم إرسال المطر، فأمطر علينا حجارة من السماء وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل، ومعنى وأمطرنا عليهم مطراً وأرسلنا عليهم نوعا من المطر عجيباً يعني الحجارة ألا ترى إلى قوله :﴿ فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ﴾ [ سورة النمل، الآية : ٥٨ ] وفي الانتصاف مقصوده الردّ على من يقول مطرت السماء في الخير وأمطرت في الشر، ويتوهم أنها تفرقة وضعية فبين أن معنى أمطرت أرسلت شيئا على نحو المطر، وان لم يكن إياه حتى لو أرسل الله من السماء أنواعاً من الخيرات والأرزاق، مثلاً كالمن والسلوى، جاز أن يقال فيه أمطرت السماء خيرات أي أرسلتها إرسال المطر، فليس للشر خصوصية في هذه الصيغة الرباعية، ولكن اتفق أن السماء لم ترسل شيئاً سوى المطر، وكان عذاباً فظن أنّ الواقع اتفاقا مقصود في الواقع فنبه المصنف رحمه الله على تحقيق الأمر فيه وأحسن وأجمل، ومنه يعلم أنّ ما نقل عن أبي عبيد وغيره من أن أمطر في العذاب، ومطر في الرحمة مؤوّل وأن ردّ بقوله عارض ممطرنا فإنه عنى به الرحمة، وظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى أنّ مطرا مفعول مطلق، وقيل أمطرنا هنا ضمن معنى أرسلنا، ولذا عدى بعلى ومطراً مفعول به، وقيل
الممطور كبريت ونار وسيأتي فيه أقوال أخر. قوله :( روي الخ ) الأردن بضم الهمزة وسكون الراء المهملة وضم الدال المهملة وتشديد النون قال بعض الفصلاء وقوله في القاموس، وتشديد الدال سهو منه ( وسدوم ) بفتح السين والدال مهملة ومعجمة كما ذكره الأزهري وغيره قرية قوم لوط سميت باسم رجل، وفي المثل أجور من قاضي سدوم، وخسف مبنيّ للمجهول، وقوله وقي الخ مرضه لأن ظاهر النظم يخالفه. قوله :( وأرسلنا الخ ) إشارة إلى عطفه كما مرّ، وشعيب مفعول أرسلنا وهم أولاد مدين جملة معترضة، وهذا بناء على أنّ مدين علم لابن إبراهيم، ومنع صرفه للعلمية والعجمة، ثم سميت به القبيلة، وقيل هو عربيّ اسم بلد، ومنع صرفه للعلمية والتأنيث فلا بد من تقدير مضاف حينئذ، أي أهل مدين أو المجاز، وهو على هذا شاذ إذ القياس إعلاله كمقام فشد كمريم ومكوزة، وليس بشاذ عند المبرد قيل وهو الحق لجريانه على الفعل، وشعيب تصغير شعب أو شعب، قيل والصواب أنه وضع مرتجلا هكذا وليس مصغرا لأنّ أسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يجوز تصغيرها، وفيه نظر لأن الممنوع التصغير بعد الوضع لا المقارن له كما هنا. قوله :( وكان يقال له خطيب الآنبياء عليهم الصلاة والسلام الخ ( أخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله لمجي! إذا ذكر شعيبا يقول :" ذاك خطيب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لحسن مراجعته قومه " ( ١ ( والمراجعة مفاعلة من الرجوع وهي مجاز عن المحاورة، يقال راجعه القول وإنما عتى النبيّ كي! ما ذكر في هذه السورة ما يعلم بالتأمّل فيه. قوله :) يريد المعجزة الخ ( أي المراد بالبينة ذلك لأنه لا بذ لكل نبيئ من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من معجزة، قال بعضهم قال الزجاج : لم يكن لشعيب عليه الصلاة والسلام معجزة، وهو غلط لأنه قال تعالى :﴿ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ ﴾ [ سورة الأعرأف، الآية : ٨٥ ] فجاء بالفاء بعد مجيء البينة، ولو اذعى مدع النبوّة بغير آية لم تقبل منه، لكن الله لم يذكرها، فلا يدل على عدمها يعني أنّ الفاء سببية فالمعنى قد جاءتكم معجزة شاهدة بصحة نبوّني أوجبت عليكم الإيمان بها، والأخذ بما
أمرتكم به فأوفوا فلا وجه لما قيل أنّ البينة نفس شعيب عليه الصلاة والسلام. قوله :( وما روي من محاربة عصا موسى عليه الصلاة والسلام الخ ) مبتدأ خبره قوله فمتأخر الخ. وهو ردّ لقول الزمخشري ومن معجزات شعيب عليه الصلاة والسلام ما روي من محاربة عصا موسى عليه الصلاة والسلام للتنين الخ. فلا يجوز أن يراد هنا لأنه


الصفحة التالية
Icon