ج٤ص١٩٠
الوجهين، والا فظاهر أنه إخبار مقيد بالشرط، فإن قيل فهلا حمل الكلام على ظاهره قلنا لا لأن إن لا تقلب الماضي المصدر بقد، ولا المقدم على الشرط، فكيف إذا اجتمع الأمران فظاهر أن الافتراء الماضي لا تعلق له بالعود، ولا سبيل إلى الحمل على إن عدنا ظهر أنا قد أفترينا البتة لإيهامه أن المانع ظهور الافتراء لا هو نفسه، لأن المقيد بالعود هو الافتراء نفسه لا ظهوره، وكذا قيل وفيه نظر لوروده على الوجه الثاني، أعني جعل قد افترينا جواب القسم بحذف اللام فإنه مقيد بالشرط، ولاندفاعه بجعل الماضي بمعنى المستقبل، تنزيلا له منزلة الواقع، ومقرّبا إلى الحال حتى كأنه قيل تد افترينا الآن أن هممنا بالعود كما ذكره أبو البقاء رحمه الله. وبالجملة فاستقامة ظاهر الكلام على تقدير القسم وعدمها بدونه محل نظر وردّ، بأن حاصل سؤال الزمخشري كما قرّر في الكشف أن الظاهر في مثله أن لا يتعلق بالشرط نفس الجزاء، بل ظهوره والعلم به، على عكس ما قرّره النحرير، كما في نحو إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك أمس، ونحو :﴿ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ ﴾ [ سورة التوبة، الآية : ٤٠ ] وهاهنا المقصود تقييد نفس ألافتراء بالعود، ولفظ قد وصيغة المضيّ يمنعانه، وحاصل الجواب أنه أخرج لا على مقتضى الظاهر إذ المعنى على تقيد الافتراء كما آثره القاضي وأبو البقاء رحمهما الله، ولفظة قد مع صيغة الماضي تدل على التأكيد فيستاد منها نفي التعجب، أو كونه جواب قسم بقرينة المقام، وهذا مما لا غبار عليه، وقوله نزعم أن لله تعالى نداً بيان لمعنى الافتراء. قوله :( وقيل إنه جواب قسم الخ )
فحذف القسم ولام الجواب مقدرة فيه أيضأ، وجوّز في البحر تبعاً لابن عطية رحمه الله أن يكون الفعل المذكور قسما، كما يقال برئت من الله إن فعلت كذا قال الشاعر :
بقيت وفري وانحرفت عن العلا ولقيت أضيافي بوجه عبوس
إن لم أشن على ابن هند غارة لم يخل يوماً من نهاب نفوس
قوله :( وما يصح لنا الخ ) كان تامة بمعنى وجد، وصح بمعنى وجد أيضاً، ولا يكون في استعمال العرب بمعنى لا يصح ولا يقع وتارة بمعنى لا ينبغي ولا يليق كما صرحوا به. قوله :( خذلاننا وارتدادنا الخ ) في الكشاف معنى قوله :﴿ وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ ﴾ إلا أن يشاء خذلاننا ومنعنا الألطاف لعلمه أنها لا تنفع فينا، وتكون عبثأ، والعبث قبيح لا يفعله الحكيم، والدليل عليه قوله :﴿ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ أي هو عالم بكل شيء مما كان وما يكون، فهو يعلم أحوال عباده كيف تتحوّل وقلوبهم كيف تتقلب، وكيف تقسو بعد الرقة وتمرض بعد الصحة وترجع إلى الكفر بعد الإيمان، وقد ردّ عليه المصنف رحمه الله بزيادة الارتداد، وجعله مراد الله ووجهه. كما قال بعض المدققين إنّ معنى :﴿ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ إنه يعلم كل حكمة ومصبحة ومشيئته على موجب الحكمة، فلو تحقق مشيئته للعود والارتداد لم يكن خاليا من الحكمة فلا يستبعد وهذا معنى لطيف فلا وجه لأن يقال لو أريد إلا أن يشاء الله عودنا لما كان لذكر سعة العلم بعده كبير معنى بل كان المناسب ذكر شمول الإرادة، وأنّ الحوادث كلها بمشيئة الله كما قرّره النحرير. قوله :( وقيل أراد به حسم طمعهم الخ ) الحسم القطع، وهذا رد على الزمخشرفي فيما تبع فيه الزجاج، بأنّ المراد من ﴿ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ ﴾ التأبيد لأنه تعالى لا يشاء الكفر نحو حتى يبيض القار ويشيب الغراب، وهو مخالف للنصوص القرآنية والعقلية، من أن جميع الكائنات تابعة لمشيئة الله وقوعا وعدما، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يلائمه أيضا قوله :﴿ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ وما قيل إن مآل الكلام إلى شرطية وصدقها لا يقتضي تحقق طرفها ولا إمكانه، ولم يتحقق هنا، والقصر في الآية في شعيب ع!ه والمؤمنين فجاز أن يكون كفر غيرهم بدون مشيئة كلام واه فإنه لا معنى للتعليق بالمشيئة، إلا أن وقوعه وعدمه منوط بإرادة الله تعالى، سواء وقع أو لا، ولذا لما لم ير الزمخشرفي منه محيصاً تعلق تارة بقوله :﴿ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ وأخرى بجعله من التعليق بالمحال. قوله :( أي أحاط علمه بكل شيء الخ ) فيقع ذلك بإرادته الجارية على وفق علمه بما فيه من الحكمة والمصلحة من الرذة والثبات على الإيمان، فلا دليل فيه على أنّ المعنى إلا أن يشاء الله خذلاننا، ومنع الألطاف عنا كما قاله الزمخشريّ بناء على مذهبه. قوله :( احكم بيننا
الخ ) يعني الفتح بمعنى الحكم، وهي


الصفحة التالية
Icon