ج٤ص٢١٣
الرؤية سببة عن النظر متأخرة لأنّ النظر تقليب الحدقة نحو الشيء التماساً لرؤيته والرؤية الإدراك بالباصرة بعد النور خطر بالبال أنه كيف جعل النظر جواباً لأمر الرؤية مسببا عنه فيكون متأخراً عنها وهي مقارنة له بالزمان، وان كانت متقدمة بالذات فأشار إلى توجيهه بأنّ المراد بالإراءة لش! إيجاد الرؤية بل التمكن منها مطلقا، أو التجلي وهو الظهور وهو مقدم على النظر وسبب له كما أشار إليه بقوله فأنظر، وهذا بطريق الكناية إذ ذكرها وأراد لازمها من التمكين أو التجلي إذ لو كان بيانا لطريقها كما قيل لم يندفع المحذور فتدبر. قوله :( وهو دليل على أن رؤيته تعالى جائزة في الجملة ) يعني بقطع النظر عن الدنيا والآخرة لأنّ طلب المستحيل من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام محال لأنه إن علم باسنحالته فطلبه عبث، وان لم يعلم فجهل وكلاهما غير لائق بمنصب النبوّة، وقد قالوا نختار أنّ موسى ع!ير لم يعلم امتناع رؤيته ولا يضرّ ذلك، لأنّ النبوّة لا تتوقف على العلم بجميع العقائد الحقة وجميع ما يجوز عليه تعالى وما لا يجوز بل على ما يتوقف عليه الغرض من البعثة والدعوة إلى الله تعالى وهو وحدانيته وتكليف عباده بأوامر ونواه ليحرضهم على النعيم المقيم، ولا نسلم أنّ امتناع الرؤية من هذا القبيل، أو نختار أنه يعلم امتناعها وسؤاله لغرض، أو هو محرّم ارتكبه لأنه صغيرة وردّ بأنه يلزمهم أن يكون الكليم يث!يرو دون آحاد المعتزلة علما ودون من حصل طرفاً من الكلام في
معرفة ما يجوز عليه تعالى وما لا يجوز، وهذه كلمة حمقاء، وطريقة عوجاء لا يسلكها أحد من العقلاء ولا شك أنا نعتقد أنّ علم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بذاته وصفاته أكمل من علم ما عداهم، وان أردت تحرير هذا فعليك بمطوّلات الكلام ويكفي من القلادة ما أحاط بالجيد. قوله :( ولذلك ) أي لكونها جائزة قال ما ذكر دون لن أرى لأنه يدلّ على امتناع الرؤية مطلقاً أو إن أريك لأنه يقتضي أنّ المانع من جهته، ولن تنظر إليّ إن كان بصيغة المجهول كما قيل فظاهر والا فلأنّ النظر لا يتوقف على معد وإنما المتوقف عليه الرؤية والإدراك وذلك المعدّ قوّة يخلقها الله فيه بحيث ينكشف له انكشافا تامّا وهل يختص بالآخرة أولأ فيه خلاف ينظر في محله. قوله :( وجعل السؤال لتبكيت قومه الخ ) إشارة إلى قولهم إق موسى ﷺ لم يسأل الرؤية لنفسه بل لقومه القائلين أرنا الله جهرة وإنما أضافها إلى نفسه ليمنع عنها فيعلم قومه أنها بالنسبة إليهم أبعد وأشد في الاستحالة، وهو أبلغ من إضافتها إليهم وأدعى لقبولهم، ولذا لم يقل وأرهم ينطروا إليك، وفي شرح المواقف إنه خلاف الظاهر فلا بد له من دليل وما ذكروه من أنّ الدليل أخذ الصعقة ليس بشيء واليه أشار المصنف رحمه الله يعني لو كان كذلك كان عليه أن يزيل يث!بهتهم ولا يحتج إلى ما هم فيه من الآراء الفاسدة، وقوله إذ لا يدل الإخبار الخ وكلمة لن تدل على تأكيد النفي دون تأييده على الصحيح ولو سلم فبالنسبة إلى الدنيا. وقوله :( أو أن لا يراه الخ ) جواب جدليئ. قوله :( ودعوى الضرورة فيه مكابرة ) إذ ليس انتفاء ذلك بديهي والا لم يختلف فيه العقلاء، أو هو جهالة بحقيقة الرؤية لأنه لا نزاع في جواز الإنكشاف العلمي التامّ ولا في ارتسام صورة من المرئي في العين أو اتصال الشعاع الخارج من العين بالمرئيّ أو حالة إدراكية مستلزمة لذلك إنما النزاع أنا إذا أبصرنا الشمس مثلا ثم غمضت العين نجد في الأوّل حالة زائدة على الثاني، وكذا إذا علمنا شيئاً علما جليا ثم أبصرناه نجد في الثاني أمراً زائداً على الأوّل، وهو الذي نسميه بالرؤية ولا يتعلق في العادة إلا بما هو في جهة ومقابلة فمثل هذه الحالة الإدراكية هل يصح أن تكون مقارنة للمقابلة والجهة وأن تتعلق بالذات المقدسة أم لا والى الأوّل ذهب الأشاعرة والمخالف فيه اشترط فيه ذلك، ولذا قال السهروردي : قد يحقق بأيسر نظر أنّ الرائي غير العضو المخصوص، وهو قوّة حالة فيه وبه
يرتفع الإشكال لأنّ القوم لما اعترفوا بأنّ العين لا تبقى على هذه الصفة بل يخلق الله فيها استعداداً لرؤيته تعالى، وخصومهم أنكروا الرؤية والعين هذه العين بمشخصاتها أجمع فالصلح
فمن لي بالعين التي كنت ناظرا إليّ بها قبل القطيعة والصد
قوله :( يريد أن يبين به أنه لا يطيقه الخ ) يعني ليس المقصود نفي الرؤية بل نفي لطاقته
لها في هذه الدار


الصفحة التالية
Icon