ج٤ص٢١٩
وجعله كناية لا مجازاً لعدم المانع عن الحقيقة، وجعل الفاعل في قراءة المبنيّ للفاعل العض لا الفم لأنه أقرب إلى المقصود ولأنّ كونه كناية عن الندم إنما هو حيث يكون سقوط الفم على وجه العص، ثم الأيدي على هذا حقيقة وعلى تفسير الزجاج الذي أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله وقيل الخ استعارة بالكناية وهل في الكلام دلالة إيمائية لا دلالة فيه عليها، إلا أن يقال أنّ سقوط الندم في القلب أو النفس كناية عن ثبوته للشخص، وإنما اعتبر التشبيه فيما يحصل لا في اليد ليكون استعارة تصريحية لأنه لا معنى لتشبيه اليد بالقلب إلا بهذا الاعتبار، وقيل : إنه على تفسير الزجاج استعارة تمثلية لأنه شبه حال الندم في القلب مجال الشيء في اليد في التحقيق
والظهور، ثم عبر عنه بالسقوط في اليد، وقال الواحديّ تحصل من كلام المفسرين وأهل اللغة أنّ معنى سقط في يده ندم فأما وجهه فلم يوضحوه إلا أنّ الزجاح قال إنه بمعنى ندموا ولم يسمع هذا قبل نزول القرآن، ولم تعرفه العرب ولم يوجد في أشعارهم وكلامهم فلذا خفي عليهم فقال أبو نواس :
ونشوة سقطت منها في يدي
فأخطأ في استعماله وهو العالم النحرير وقال أبو حاتم فسقط فلان في يده بمعنى ندم فأخطأ أيضاً، وذكر اليد لأنه يقال لما يحصل وأن لم يكن في اليد وقع في يده وحصل في يده مكروه فشبه ما يحصل في النفس وفي القلب بما يرى بالعين، وخصت اليد لأنّ مباشرة الأمور بها كقوله تعالى :﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ [ سورة الحج، الآية : ٠ ا ] أو لأنّ الندم يظهر أثره بعد حصوله في القلب في اليد كعضها وضرب إحدى يديه على الأخرى، كقوله تعالى في النادم فأصبح :﴿ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ ﴾ [ سررة الكهف، الآية : ٤٢ ] ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ﴾ [ سورة الفرقان، الآية : ٢٧ ] فلذا أضيف إليها لأنه الذي يظهر منه كاهتزاز المسرور وضحكه وما يجري مجراه، وقيل من عادة النادم أن يطأطىء رأسه يوضع ذقنه على يده بحيث لو أزالها سقط على وجهه، فكأن اليد مسقوط فيها، وفي بمعنى على وقيل : هو من السقاط وهو كثرة الخطأ قال : كيف يرجون سقاطي بعدما لفع الرأس بياض! وصلع
وقيل مأخوذ من سقيط الجلد، والفراء لعدم ثباته مثل لمن لم يحصل من سعيه على
طائل وسقط مدة بعضهم من الأفعال التي لا تتصرّف كنعم وبئس، وقرأ أبو السميفع سقط معلوماً أي الندم كما قال الزجاج : أو العض كما قال الزمخشرفي أو الخسران كما قاله ابن عطية وكله تمثيل، وقرأ ابن أبي عبلة أسقط رباقي مجهول وهي لغة نقلها الفراء والزجاج.
قوله :( وقيل معناه سقط الندم في أنفسهم ) قد مر أنه قول الزجاج والواحديّ، وهل هو استعارة تمثيلية أو مكنية أو كناية، قد نقلنا لك ما قال القوم فيه فعليك بالاختيار، وحسن الاختيار. قوله :( وعلموا الخ ) في الكشاف وتبينوا ضلالهم تبينا كأنهم أبصروه بعيونهم، وإنما جعلها بصرية مجازاً عن انكشاف ذلك لهم انكشافا تاما كأنه محسوس، ولم يقصر المسافة فيجعلها علمية ليسلم الكلام من القلب الذي توهمه بعض المفسرين لأنّ الندم إنما يحصل لهم بعد تبين الضلال لأنه هان كان كذلك لكنه بعده ينكشف انكشافاً تاما لا يمكن إخفاؤه، فلا حاجة إلى ما قيل فإن قلت تبين الضلالة يكون سابقاً على الندم فلم تأخر عنه، قلت الانتقال من الجزم بالشيء إلى تبين الجزم بالنقيض لا يكون دفعياً في الأغلب بل إلى الشك، ثم الظن
بالنقيض، ثم الجزم بالنقيض، ثم تبينه والقوم كانوا جازمين بأنّ ما هم عليه صواب والندم عليه ربما وقع لهم في حال الشك فيه فقد تأخر تبين الضلال عنه لمن يتبين، وقوله :( وقرأهما ( أي ترحم وتغفر. قوله :( شديد الغضب وقيل حزيناً ) هما حالان مترادفتان أو متداخلتان إن قلنا الثانية حال من المستتر في غضبان أو بدل كل لا بعض كما توهم، والأسف إما شدة الغضب أو الحزن. قوله :( فعلتم بعدي حيث عبدتم العجل والخطاب للعبدة ا لما كانت الخلافة أن يقوم الخليفة مقام من خلفه، وينوب عنه في أفعاله، وهي لا تكون بحضرته وإنما تكون بعده جعل خلفتم مستعملاً في لازم معناه، وهو مطلق الفعل لثلا يتكرّر قوله بعدي معه والفعل المذموم بعده إنما هو للعبدة، فلذا خصوا بالخطاب على هذا. قوله :) أو قمتم مقامي فلم تكفوا العبدة والخطاب لهرون والمؤمنين ) وإنما خصوا لأنهم الذين قاموا مقامه في ذلك، والذم ليس للخلافة نفسها بل لعدم الجري على مقتضاها حينئذ. قوله :( وما


الصفحة التالية
Icon