ج٤ص٢٥٦
أخبرهم به، والمراد بالذلة الانكسار من الفزع والا فالعزة دلّه ولرسوله والمؤمنين. قوله :) وإمداد الملائكة وكثرة العدد ) بضم العين جمع عدة وهي ما يعد للحرب، وغيره كالسلاح والأهب جمع أهبة بمعناه فهو عطف تفسير وتأكيد أو بفتحتين وهو ظاهر، وفي الكشاف يريد ولا تحسبوا النصر من الملائكة عليهم الصلاة والسلام فإنّ الناصر هو الله لكم للملائكة أو وما النصر بالملائكة وغيرهم من الأسباب إلا من عند الله، والمنصور من نصره الله، والفرق بينهما أنه على الأوّل لا دخل للملائكة في النصر، والثاني أنّ لهم دخلا إلا أنهم ليسوا بسبب مستقل، ولتقارب الوجهين أدرجهما المصنف رحمه الله تعالى في كلامه وأما ما قيل إنه ترك لقلة مساسه بالمقام، فلا مساس له بالمقام. قوله :( بدل ثان من إذ يعدكم الخ ) وهذا بناء على جواز تعدد البدل، والنعمة الثالثة أنّ الخوف كان يمنعهم النوم فلما طمن الله قلوبهم نعسوا، ولذا قال ابن عباس رضي الله عنهما النعاس في القتال أمنة من الله، وفي الصلاة وسوسة من لشيطان وضعف تعلقه
بالنصر، بأن فيه إعمال المصدر المعرف بأل وفيه خلاف للكوفيين، والفصل بين المصدر ومعموله، وعمل ما قبل إلا فيما بعدها، وتعلقه بما في الظرف من معنى الفعل لتقدير ثابت، ونحوه قيل عليه إنه يلزم تقييد استقرار النصر من الله بهذا الوقت ولا تقيد له به، وردّ بأنّ المراد به نصر خاص فلا محذور في تقييده فتأمّل، وفي تعلقه بجعل فصل بينهما، وفيه وجوه أخر ووجه القراآت ظاهر. قوله :( أمنا من الله ) يعني الأمنة هنا مصدر بمعنى الأمن كالمنعة، وان كان قد يكون وصفة بمعنى أمين كما ذكره الراغب وفي نصبه وجوه، منها ما ذكره المصنف رحمه الله، وهو أنه مفعول له ولما كان من شرطه أن يتحد فاعله وفاعل الفعل العامل فيه، وفاعله هم الصحابة رضي الله تعالى عنهم الآمنون، وفاعل يغشى على هذه القراءة الله، وعلى الأخرى النعاس، أجاب ) بأن يغشيكم النعاس ) يلزمه معنى تنعسون، فجعل كناية عنه، وهذا مفعول له باعتبار المعنى الكناتي، فقوله متضمن بمعنى مستتبع ومستلزم له حخى كأنه في ضمنه ويغشاكم النعاس مؤوّل بتنعسون لأنه بمعناه، وقوله :( والأمنة ) فعل لفاعله أي لفاعل تنعسون الذي دل عليه الكلام. قوله :) ويجوز أن يراد بها الإيمان ) أي يراد الإيمان بمعناه اللغوي، وهو جعل الغير آمنا بمعنى الأمان فيكون مصدر آمنه، وهو بعيد في اللغة كما قاله النحرير، بناء على أنه مصدر المزيد بحذف الزوائد ولك أن تقول ليس مراده هذا بل منه لما كان صفة آمنة ومآل معنى الأمنة الكائنة من الله التأمين فباعتباره جعل مفعولاً له، واتحدا فاعلا، والحاصل أنه إمّا أن يؤوّل الفعل أو المصدر فتدبر، ومع هذا فعلى قراءة يغشيكم ظاهر لأنّ فاعل التغشية، والأمان هو الله وأما على الأخرى وهي يغشاكم فلا يتأتى هذا بل يؤوّل بما مرّ، ويجوز في هذه القراءة وجه آخر وهو أن يجعل إلا من صفة النعاس لا صفة أصحابه وهو أنّ النوم كأنه كان يخاف أن يأتيهم لئلا يمسه ما مسهم، أو أنه التمس منهم الأمنة فلما أمن أتاهيم كما في البيت المذكور، وهو معنى لطيف، وان قيل : إنه تخيل يليق بالشعر لا بالقرآن، ثم إن وجهه كما قيل إنه استعارة بالكناية شبه النعاس بشخص من شأنه أن يأتيهم في وقت الأمن دون الخوف وقرينته إثبات الأمن له، وقيل : إنه جعل الأمنة فعل النعاس على الإسناد المجازي لكونه من ملابسات أصحاب الأمن أو على تشبيه حاله مجال إنسان شأنه الأمن والخوف، وان حصل له من الله تعالى الأمنة من الكفار في مثل ذلك الوقت المخوف فلذلك غشيكم وأنامكم، فيكون الكلام
تمثيلا وتخييلاً للمقصود بإبراز المعقول في صورة المحسوس، فإن قلت : كيف يكون إسنادا مجازيا كما في الكشاف، وشروحه واسناد يغشاكم إلى النعاس لا شبهة في كونه حقيقة على كل حال والأمن لم يذكر له فاعل حتى يكون الإسناد فيه مجازيا والمصدر لا يضمر فيه فهل مراده بالإسناد النسبة التي بين الفعل والمفعول له، قلت المراد الإسناد المقدر في الأمن لأنه لما جعل صفة للنعاس فكأنه قيل أمن النعاس فغشيهم، ومنه تعلم أنّ الإسناد المجازي قد يكون مذكورأ، وقد يكون مقدرا وهو شبيه بالاستعارة المكنية، فتنبه له، ثم إن الوجه الأوّل هو الذي ذكروه في قوله تعالى :﴿ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا ﴾ [ سورة الرعد، الآية : ١٢ ] لأنه تعالى إذا أراهم البرق رأوه