ج٤ص٢٦٩
عليه، وثالثها أن يكون استعارة تمثيلية بتشبيه حالة تقليلهم في أعينهم الحامل لهم على هلاكهم بمعاملة الماكر المحتال !اظهار خلاف ما يضمر واليه الإشارة بقوله أو بمعاملة الخ أو إنه مشاكلة صرفة فالوجوه أربعة. قوله :( إذ لا يؤبه بمكرهم الخ ) يؤبه ويعبأ به بمعنى يعتد به، وقوله دون مكره أي عند مكره والمزاوجة بمعنى المشاكلة كالازدواج، وقوله لأنّ مكره أنفذ من مكرهم وأبلغ تأثيراً، وهذا معنى الخيرية والتفضيل في النظم قال النحرير إطلاق خير الماكرين عليه تعالى إذا جعل باعتبار أن مكره أنفذ وأبلغ تأثيراً فالإضافة للتفضيل على المضاف لأنّ لمكر الغير أيضا نفوذاً وتأثيرا في الجملة، وهذا معنى أصل فعل الخير فتحصل المشاركة فيه وإذا جعل باعتبار أنه لا ينزل إلا الحق، ولا يصيب إلا بما استوجبه الممكور به فلا شركة لمكر الغير فيه فالإضافة حينئذ للاختصاص كما في أعد لابني مروان لانتفاء المشاركة، وقيل هو من قبيل الصيف أحرّ من الشتاء بمعنى أنّ مكره في خيريته أبلغ من مكر الغير في شريته وكلام المصنف رحمه الله يمكن تنزيله على هذا فتدبر. قوله :( وإسنادا مثال هذا إنما يحسن للمزاوجة الخ ) قد سبق مثله في سورة آل عمران، وهو يقتضي أنّ المكر لا يطلق عليه تعالى دود مشاكلة، واعترض عليه بقوله تعالى :﴿ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [ سورة الأعراف، الآية : ٩٩ ] وقد أجيب عنه بأنّ المشاكلة إما تحقيقية أو تقديرية والآية التي أوردوها من قبيل الثاني على ما ذكر في قوله تعالى :﴿ صِبْغَةَ اللّهِ ﴾ لأنّ ما قبله يدل على
معاملتهم بالحيلة والمكر وفيه نظر. قوله :( هو قول النضر بن الحرث الخ ) النضر بن الحرث كان معروفا بينهم بالفطنة والدهاء فكانوا يتبعون ما يقوله وأشار إلى أنه من إسناد فعل البعض إلى الجميع لأنّ القائل واحد منهم، وأشار إلى أنّ وجه التجوّز في إسناده أنه كان كبيرهم الذي يعلمهم الباطل إذ علم منه، ومما مرّ في أماكن أن إسناد فعل البعض إلى الكل إما لكثرة من صدر منه، أو لرضا الباقين به أو لأنّ القائل رئي! متبع أو لغير ذلك من النكت وأنه لا ينحصر في الرضا كما توهم، والقاص بتشديد الصاد المهملة من يقص لهم القصص ووقع في بعض النسخ قاضيهم بضاد معجمة بعدها ياء أي حاكمهم الذي يفصل القضايا فيهم ولها وجه وليست بأولى كما قيل، وأتمروا بمعنى تشاوروا، والمكابرة أصل معناها فاعلة من الكبر، والمراد بها فرط العناد فعطفه عليها تفسريّ.
قوله :( أن يشاؤوا ) بتقدير حرف الجر أي من أن يشاؤوا أو عن أن يشاؤوا، والأنفة بفتحتين، والاستنكاف الامتناع عن شيء تكبرا، والتحدّي طلب المعارضة، وأصله في الحاديين يتناظران في الحد إثم عم والتقريع والتعبير والتوبيخ وبين قرّعهم وقارعهم تجنيس، وقوله :( فلم يعار!وا سواه ) أي اختاروا معارضة السيف على معارضة الكلام لفرط عجزهم عنه، ووقع في نسخة فلم يعارضوه بسورة وهي ظاهرة، وقوله خصوصا في باب البيان لأنهم فرسانه المالكون لازمته وغاية ابتهاجهم به، ومن قال : حتى علقوا السبعة على باب الكعبة متحذين بها لم يدر أنه لا أصل له دمان اشتهر. قوله :( ما سطره الأوّلون من القصص ) أصل معنى السطر الصف من الكتابة والشجر ونحوه، وكذا السطر بالفتح إلا أن جمع سطر بالسكون أسطر وسطور وجمع سطر أسطار وأساطير، وقال المبرد : أساطير جمع أسطورة كأحدوثة وأحاديث ومعناه ما سطر وكتب، والقصص بكسر القاف جمع قصة وبفتحها القصة نفسها والمصدر. قوله :( هذا أيضاً في كلام ذاك القائل أبلغ في الجحود الخ ) وجه أبلغيته أنه عذ حقيته محالاً فلذا علق عليه طلب العذاب الذي لا يطلبه عاقل، ولو كان ممكنا لفر من تعليقه عليه، وهذا أسلوب من الجحود بليغ قال العلامة فإن قلت إن للخلو عن الجزم فكيف استعمل في صورة الجزم قلت إن لعدم الجزم بوقوع الشرط، ومتى جزم بعدم وقوعه عدم الجزم بوقوعه وهذا كقوله :﴿ وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ ﴾ [ سورة البقرة، الآية : ٢٣، والخطاب مع المرتابين إبراز لارتيابهم
في صورة المحال للأدلة القاطعة للارتياب ففرض كما يفرض المحال، وقيل عليه إنه تعليق بالمحال كأن كان الباطل حقا على فرض المحال غير قطعي ليصح تعليق شيء به بكلمة، إن الموضوعة للشك الخالية عن الجزم بالوقوع وعدمه فيصير كالتنبيه على انتفاء ذلك الشيء، وأما ما قاله هذا القائل فإنما نشأ توهمه من الاقتصار في بعض الكتب على أنها لعدم الجزم بالوقوع من غير تعرض! لجانب اللاوقوع تصداً إلى التفرقة


الصفحة التالية
Icon