ج٤ص٢٧٣
الجزاء، وهو فسينفقونها اقترن بالفاء وينفقون إمّا حال أو بدل من كفروا، أو بيان له، وفي تضمن الجزاء من معنى الأعلام والإخبار التوبيخ على الإنفاق والإنكار عليه كما في قوله :﴿ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ﴾ [ سورة النحل، الآية : ٥٣ ] وفي تكرير الإنفاق في شبه الشرط، والجزاء الدلالة على كمال سوء الإنفاق كما في قوله :﴿ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ﴾ [ سورة آل عمران، الآية : ٩٢ ا ] وقولهم من أدرك الصمان فقد أدرك المرعى، والمعنى الذين ينفقون أموالهم لإطفاء نور الله والصد عن اتباع رسول الله تخت عن قريب سوء مغبة ذلك الإنفاق، وانقلابه إلى أشد الخسران من القتل والأسر في الدنيا والنكال في العقبى :
إذا البذل لم يرزق خلاصاً من الأذى فلا الأجر مكسوبا ولا المال باقيا
وهو الوجه الأخير في كلام المصنف رحمه الله، وهو أبلغها فقوله بتمامها إشارة إلى وجه التغاير، وهو أنّ المنفق الأوّل بعضه والثاني كله ومآله إلى أنه يفنى ويزول أو الأوّل إنفاق في بدر والثاني في أحد فينفقون لحكاية الحال الماضية، والثاني على معناه الاستقبالي، ولما كان إنفاق الطائفة الأولى سبباً لإنفاق الثانية أتى بالفاء لابتنائه عليه والآية نزلت بعد الوقعتين. قوله :( ويحتمل أن يواد بهما واحد ) قد مرّ تحقيقه، ودفع تكراره وان لم يلاحظ ما بعده، وقوله :( وإنه لم يقع بعد ) أي إن الاستقبال فيهما على ظاهره خصوصاً في الجزاء الدال على العاقبة، وبما قزرناه اندفع ما قيل، إنه يأتي زيادة التبيين في الثاني وترتيبه بالفاء على الأوّل من غير تكلف، والحاصل أنّ هنا قولين هل نزلت في الإنفاق يوم بدر، أو يوم أحد وعلى هذا فهما واحد والأوّل لبيان غرض الإنفاق، والثاني لبيان عاقبته، وقوله :﴿ يُنفِقُونَ ﴾ خبر، وقوله : فيسنفقونها متفرع عليه، والفعلان مستقبلان وإن حمل ينفقون على الحال فلا بد من تغاير الإنفاقين. قوله :( لفواتها من غير مقصود ( أما في بدر فظاهر وأما في أحد فلأنّ المقصود لهم
لم يتح بعد ذلك فكان كالفائت. قوله :( جعل ذاتها تصير حسرة الخ ) أي ندما وتأسفا قيل إنه يريد أنه من قبيل الاستعارة في المركب حيث شبه كون عاقبة إنفاقها ندماً بكون ذاتها ندما، ولا مانع من جعله حقيقة بتقدير مضافين أو بجعل التجوّز في الإسناد فتدبر، وقيل : إنها أطلقت بطريق التجوّز على الإنفاق مبالغة. قوله :( ثم ينلبون آخر الأمر ) يعني أنّ المراد بالغلبة الغلبة التي استقرّ عليها الأمر، فإن قلت غلبة المسلمين متقدمة على تحسرهم بالزمان فلم أخرت بالذكر قلت المراد أنهم يغلبون في مواطن أخر بعد ذلك، وقوله وان كان الحرب بينهم سجالاً جمع سجل، وهو الدلو العظيم والمراد به نوبة السقي، ولذا جمع أي يكون مرّة لهم ومرّة عليهم كما قال :
فيوم عليناويوم لنا ويوم نساء ويوم نسر
والعاقبة للمتقين وهذا استعارة شبه المتحاربين بالمستقيين على بئر واحدة، ودلو واحد
وأوّل من قاله أبو سفيان رضي الله عنه. قوله :( أي الذين ثبتوا على الكفر الخ ) خصه بهم بقرينة ما بعده، وأذا فسر الخبيث، والطيب بالكافر والمؤمن أو الفساد والصلاح تعلق بيحشرون فإن فسر بالمالين تعلق بتكون عليهم حسرة إذ لا معنى لتعليل كون أموالهم حسرة بتمييز الكفار من المؤمنين، كما أنه لا وجه لتعليل حشرهم بتمييز المال الخبيث من الطيب، وأولئك على هذا أي على تقدير كون الخبيث والطيب هو المال إشارة إلى الذين كفروا، وهو ظاهر وكون التمييز أبلغ من الميز لزيادة حروفه على المشهور يقال ميزته فتميز ومزته فإنماز وقد قرئ شاذا وانمازوا اليوم، والمراد أنّ الذين كفروا ليس هو الأوّل حتى يلزم التكرار وليس المراد أن كفروا بمعنى ثبتوا حتى يرد أنّ الفعل لا يدل على الثبوت فيجاب بأنه ثبوت تجددقي كما قيل. قوله :( فيجمعه ويضم بعضه إلى بعض الخ ) من قولهم سحاب مركوم، ومتراكم من الركام، وهو ما يلقى بعضه على بعض، ويوصف به الرمل والجيش فإن كان الفريق الخبيث الكفرة، والفريق الطيب المؤمنين فالمراد به ازدحامهم في المحشر، وإن كان المراد الصلاج والفساد فالمراد أنه يضم كل صنف بعضه إلى بعض في الحشر، وجعله في جهنم بجعل أصحابه فيها، وإن كان المراد المال فظاهر لقوله تعالى :﴿ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ ﴾ [ سورة التربة، الآية : ٣٥، الآية والمعنى
أنه يكون حسرة وبلاء لهم في الدنيا والآخرة. قوله :( إشارة إلى الخبيث لأنه مقدّر بالفريق


الصفحة التالية
Icon