ج٤ص٢٧٩
الرؤية وسائر الادراكات بمحض خلقه تعالى، ولا يجب وقوعها عند تحقق ما يجعله الحكماء شرطا، ولا يمتنع عند فقد بعضها، وفي الانتصاف وهي مبطلة لمذهب منكري الرؤية لفقد شرطها، وهو التجسم ونحوه لكنه قيل في الحصر المذكور نظر لاحتمال أن يحدث الله في عيونهم ما يستقلون له الكثير كما أحدث في عيون الحوّل ما يرون له الواحد اثنين كما في الكشاف، ولا يلزم أن يكون منامه على الخلاف الواقع لأنه في مقام التعبير، والقلة معبرة بالمغلوبية، والواقعة منها ما يقع بعينه، ومنها ما يعبر ويؤوّل، وقيل ما ذكر من التعليل مناسب لتقليل الكثير لا لتكثير القليل، وأنت خبير بأن تكثير القليل بكون الملائكة عليهم الصلاة والسلام معهم ومن جانب الكفرة حقيقة فلا يحتاج إلى توجيه فيهما، وإنما المحتاج إليه تقليل الكثير ولذا اقتصر عليه، وترك الوجه الثاني لأنه في التكثير، وبه يتضح وجه الحصر، والاقتصار فافهم.
قوله :( لاختلاف الفعل المعلل به ( وهو في الأوّل اجتماعهم بلا ميعاد، وهنا تقليلهم، ثم تكثيرهم. قوله :( حاربتم جماعة الخ ( فسر اللقاء بالحرب لغلبته عليه كما ذكره، ولم يصف
الفئة بأنها كافرة لأنه معلوم غير محتاج إلى ذكره، وقيل ليشمل قتال البغاة ولا ينافيه خصوص سبب النزول، وقوله :( للقائهم ) اللام للتوقيت أي في وقت لقائهم أي قتالهم، ومن الكلمات الواهية هنا ما قيل على المصنف إنّ الانقطاع معتبر في معنى الفئة لأنها من فاوتته رايته أي قطعته، والمنقطع عن المؤمنين إما كفار أو بغاة، ثم قال : مستسمنا ذا ورم ومن لم يقف على هذه الدقيقة الأنيقة قال لم يصفها لأنّ المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار، وهذا مما لا حاجة إلى ردّه، وكذا ما قيل الأولى حذف قوله مما لأنّ له نظار مشهورة كالنزال. قوله :( في مواطن الحرب داعين له الخ ) وهذا يقتضي استحباب الدعاء والذكر في القتال، ومنه التكبير، وقيل يستحب إخفاؤه ولذا قيل المراد بذكره أخطاره بالقلب وتوقع نصره، وفي الحديث :" لا تمنوا لقاء العدوّ اسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا واذكروا الله كثيرا فإن أجلبوا وضجوا فعليكم بالصمت ( ) ١ (، وهذا من عدم الوقوف على كتب السنة، وفي كتاب الدعوات للبيهقي أدعية مأثورة في القتال كقوله :" اللهم أنت ربنا وربهم نواصينا ونواصيهم ييدك فاقتلهم واهزمهم " وأحاديث أخر في معناه، وقوله : بشراشره : أي بجملته وكليته وبقيته، وهو جمع شرشرة بمعنى طرف فهو كقو لهم برّمته وأسره. قوله :( جواب النهي ( أي منصوب بأن مقدرة في جوابه، أو هو معطوف عليه فيكون مجزوماً وما يدل عليه قراءة عيسى بن عمر ويذهب بباء الغيبة والجزم كما في الكشاف، ولعدم مدخلية القراءة بالياء في الدلالة على العطف اقتصر المصنف على الجزم، وقيل كان عليه ترك قيل لأنه على هذه القراءة مجزوم عند الكل لا عند البعض ومراده بقيل على غير قراءة الجزم لأنه في توجيه قراءة الجمهور. قوله :( والريح مستعارة للدولة ) يعني استعير الريح للدولة لشبهها به في نفود أمرها، وتمشيته فيقال هبت رياج فلان إذا كانت له دولة قال الشاعر :
إذاهبت رياحك فاغتنمها فإنّ لكل خافقة سكون
ولا تغفل عن الإحسان فيها فما تدري السكون متى يكون
وقيل في وجه الشبه إنه عدم ثباتها. قوله :( وقيل المراد بها الحقيقة الخ ) يعني أن علامة النصر أن تهب ربح من جانب المقاتلين في وجوه الأعداء فيكون الريح لنصرة من تهب من جانبه، ولعدمه لمن قابلتة، وهذا مروقي عن قتادة كما ذكره الطيبي رحمه الله تال : لم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله تضرب وجوه العدوّ، وقد أخرجه ابن أبي حاتم عن زيد بن عليّ رضي الله عنهما وهو مشهور الآن بين الناس فيكون حقيقة، أو كناية عن النصر، وكان النبيّ ع!ي! إذا لم يقاتل أوّل النهار انتظر حتى تميل الشمس، ومنهم من توهمه مطلقأ فينا في إهلاك عاد بالدبور فقال إهلاكهم كان نصرة لهود علي الصلاة والسلام، والصبا ريح تهبّ في المستوى من مطلع الشمس ويقابلها الدبور، والكلاءة بالمذ كالحراسة لفظاً ومعنى. قوله :( وفي الحديث نصرت بالصبا الخ ( ) ١ ( أخرجه البخاريّ، ومسلم عن ابن


الصفحة التالية
Icon