ج٤ص٣٤٨
وفي قوله :﴿ سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ ﴾ [ سورة المنافقون، الآية : ٦ ] الآية فهو محتاج إلى البيان، ولذا قال النبيّ ﷺ :" إنه رخص لي " ) ١ ( ولعله رخص له في ابن أبيّ لحكمة، وإن لم يترتب عليه فائدة القبول، وأما كلام النسفي رحمه الله فلا وجه له مع ما رواه البخارقي ومسلم وابن ماجه والنسائيّ عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه مج!ه قال لعمر رضي الله عنه :" إنما خيرتي الله فقال : استغفر لهم أو لا تستنفر لهم " ( ٢ ( فتأمل. قوله :) كما نصر عليه بقوله الخ ) هذا وان كان لم يذكر فيه العدم بل
الشق الآخر لكنه يعلم من عدم المغفرة مع الاستغفار عدمها بدونه بالطريق الأولى فلذا جعله مساويا لمعنى التسوية. قوله :( روي أنّ عبد الله بن عبد الله الخ ) هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم بمعناه عن ابن عمر رضي الله عنهما، وكذا رواه ابن ماجه والنسائيّ كما مرّ وهذا هو الصحيح المشهور في سبب النزول، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ سبب نزولها أنه لما نزل قوله تعالى :﴿ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ سأله اللامزون الاستغفار لهم فنهاه الله عنه، وقيل إنه استغفر لهم فنهى عنه فتشتد مناسبتها لما قبلها ومنه علم اختلاف الرواية في وقوع الاستغفار وعدمه واختار الإمام عدمه، وقال : إنه لا يجوز الاستغفار للكافر فكيف يصدر عنه ﷺ وردّ بأنه يجوز لأحيائهم بمعنى طلب سببه، وهو توفيقهم للإيمان وإيمانهم، واما أنّ النهي ليس لمعنى ذاتيّ حتى يفيد تحريمه فيجوز لتطييب خاطر أو لحمل الأحياء منهم على الإيمان ونحوه، ففيه نظر وكذا قوله إنّ الاستغفار للمصرّ لا بنفعه لأنه لا قطع بعدم نفعه إلا أن يوحى إليه أنه لا يؤمن كأبي لهب، واما أنّ استغفاره ﷺ للمنافقين إغراء لهم على النفاق فضعيف جدا، وكذا قوله إذا لم يستجب الله دعاءه كان نقصاً في منصب النبوّة ممنوع لأنه قد لا يجاب دعاؤه لحكمة كما أشار إليه المصنف رحمه ألله بقوله وعدم قبول استغفارك ليس لبخل منا، وكذا قوله إنه لا فرق في ذلك بين القليل والكثير، وبالجملة فهذه معارضات لا وجه لها مع مقابلة النص فتدبر. قوله :( فنزلت سواء عليهم استنفرت لهم الخ ) أورد عليه أنّ سورة براءة آخر ما نزل فكيف تكون هذه الآية نازلة بعدها، وهي من سورة أخرى فإن أجيب بأنه باعتبار أكثرها وصدرها فلا مانع من تأخر نزول بعض الآيات عنها منع بأنّ هذه الآية من سورة المنافقين، وصدرها يقتضي أنها نزلت في غير هذه القصة لأنّ أوّلها :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ( ٥ ) سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ ﴾ [ سورة المنافقون، الآية : ٥ ] لهم الخ وكونها نزلت مرّتين لا يقال بالرأي فالحق أنّ هذا مشكل فتدبر. قوله :( وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام فهم من السبعين الخ ) خالف الزمخشرفي في قوله إنه ﷺ لم يخف عليه ذلك، وهو أفصح الناس وأعرفهم باللسان ولكنه خيل بما قال : إظهارا لغاية رأفته ورحمته على من بعث إليه كقول إبراهيم عليه. الصلاة والسلام :" ومن عصاتي فإنك غفوو رحيم " يعني أنه أوقع في خيال السامع أنه فهم العدد المخصوص دون التكثير فجوّز الإجابة بالزيادة قصدا إلى إظهار الرأفة والرحمة كما جعل إبراهيم ﷺ جزاء من عصاني أي لم يمتثل أمر ترك عبادة الأصنام قوله :( فإنك غفور رحيم ( دون أن يقول شديد العقاب فخيل أنه يرحمهم ويغفر لهم رأفة بهم وحثاً على الاتباع لما قيل إنه بعدما فهم منه التكثير فذكره للتمويه،
والتخييل لا يليق بمقامه وفهم المعنى الحقيقي من لفظ اشتهر مجازه لا ينافي فصاحته، ومعرفته باللسان فإنه لا خطأ فيه، ولا بعد إذ هو الأصل ورجحه عنده شغفه بهدايتهم ورأفته بهم واستعطاف من عداهم فلا بعد فيه كما توهم. قوله :( فبين له أن المراد به التكثير الخ ( واستعمال العدد للتكثير كثير، وهو لا يختص بالسبعين لكنه غالب فيها وهو كناية أو مجاز في لازم معناه. قوله :( لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد ) فكأنه العدد وبيانه أنّ الستة عند الحساب عدد تامّ، والعدد التاتم عندهم ما ساوى مجموع كسوره المنطقة وما عداه زائد أو ناقص وكسوره سدس، وهو واحد وثلث وهو اثنان ونصف وهو ثلاثة ومجموعها ستة فإذا زيد عليها واحد كانت أتمّ في الكمال، ولذا قال ابن عيسى الربعي السبعة أكمل الاعداد لأنّ الستة أوّل عدد تامّ، وهي مع الواحد سبعة فكانت كاملة إذ ليس بعد التمام سوى الكمال، ولذا سمي الأسد سبعا لكمال قوّته، والسبعون غاية الغاية