ج٤ص٣٥٤
فيكون مع التولي في زمان واحد أو يكفي تسببه له، وإن اختلف زمانهما كما ذكره الرضي في قولك إذا جئتني اليوم أكرمتك غداً أي كان مجيئك سببا لإكرامك غدا.
قوله :( أي دمعها فإن من للبيان الخ ) أي يفيض دمعها فهو إشارة إلى أنه تمييز محوّل عن الفاعل، وقال أبو حيان : لا يجوز كون محل من الدمع نصبا على التمييز لأنّ التمييز الذي أصله فاعل لا يجوز جره بمن وأيضا فإنها معرفة ولا يجيز كونها تمييزا إلا الكوفيون، وقيل : إنه قفي إجازة الكوفيين وأمّا الأوّل فمنقوض بقولهم عز من قائل ونحوه وهذا وارد بحسب الظاهر وإن كان ما ذكره أبو حيان صرّج به غيره من النحاة فقالوا : لا يجوز جره إلا في باب نعم وحبذا، ومن على كلامه بيانية لا تجريدية، وقيل أصل الكلام أعينهم يفيض دمعها، ثم أعينهم تفيض دمعاً وهو أبلغ الإسناد الفعل إلى غير الفاعل وجعله تمييزاً سلوكا لطريق التبيين بعد الإبهام
ولأنّ العبن نفسها جعلت كأنها دمع فائض، ثم أعينهم تفيض من الدمع أبلغ من أعينهم تفيض دمعا بواسطة من التجريدية فإنه جعل أعينهم فائضة، ثم جرد الأعين الفائضة من الدمع باعتبار الفيض، وقد تابعه غيره على هذا ورد بأن من هنا للبيان لما أبهم مما قد يبين بمجزد التمييز لأنّ معنى تفيض العين يفيض شيء من أشياء العين كما أنّ معنى قولك طاب زيد طاب شيء من أشياء زيد، والتمييز رفع إبهام ذلك الشيء فكذا من الدمع كما تبين كاف الخطاب في نحو قول المتنبي :
فديناك من ربع وان زدتنا كربا
وإذا كان من الدمع قائما مقام دمعاً كان في محل النصب على التمييز، وأما حديث التجريد فلم يصدر عمن له معرفة بأساليب الكلام، ومرّ في المائدة أنّ الفيض انصباب عن امتلاء فوضع موضع الامتلاء للمبالغة أو جعلت أعينهم من فرط البكاء كأنها تفيض بأنفلها يعني أن الفيض مجاز عن الامتلاء بعلاقة السببية، فإن الثاني سبب للأوّل فالمجاز في المسند، والدمع هو ذلك الماء المخصوص أو الفيض على حقيقته، والتجوّز في إسناده إلى العين للمبالغة كجري النهر إذ الدمع مصدر دمعت العين دمعا ومن للأجل، والسببية وتحقيقه مرّ في المائدة. قوله :( حزناً نصب على العلة الخ ( إن قيل فاعل الفيض مغاير لفاعل الحزن فكيف سبب قيل إن الحزن والسرور يسند إلى العين أيضا يقال سخنت وقرّت عينه، وأيضاً إنه نظر إلى المعنى إذ محصله تولوا وهم يبكون. قوله :( أو الحال ( بمعنى حزينة والفعل المدلول عليه يحزنون حزنا، وقوله :( ولئلا ) بتقدير الجارّ قبله وتعلقه بحزنا إن لم يكن مصدر فعل مقدر لأنّ المصدر المؤكد لا يعمل، وقد جوّز تعلقه به أيضا فيكون على جميع التقادير وتعلقه بتفيض قيل إنه على الأخيرين لأنه لا يكون لفعل واحد مفعولان لأجله وإبداله خلاف الظاهر، ثم إن هذا بحسب الظاهر يؤيد كونه مندرجا تحت قوله :﴿ وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ ﴾ ومغزاهم أي محل غزوهم أو مقصدهم وسبيلهم، وقوله إنما السبيل بالمعاتبة لم يفسرد بالإثم كما مرّ ولو ضمه إليه كان أحسن، وقيل قيده به ليصح الحصر، ولذا قيل إنها للمبالغة وفيه نظر. قوله :( واجدون للأهبة ( أي عدّة السفر ولوازمه وقيده به لخروج البكائين لأنهم أغنياء لكن لا أهبة لهم كما مرّ، وقوله :( استئناف ( أي جواب سؤال تقديره لم استأذنوا أو لم استحقوا للمعاتبة،
ووخامة العاقبة سوءها وأصل الوخامة كثرة المرض، وقوله لا يعلمون مغبته بفتح الغين المعجمة العاقبة كالغب أيضا أي عاقبة رضاهم بالقعود، وقوله لأنه الضمير للشأن وأعلم إنّ قولهم لا سبيل عليه، معناه لا حرج ولا عتاب وإنه بمعنى لا عاتب يمرّ عليه فضلا عن العتاب وإذا تعدّى!الى كقوله :
ألاليت شعري هل إلى أئم سالم سبيل فأنا الصبرعنها فلا صبر
فبمعنى الوصول كما قال :
هل من سبيل إلى خمرفأشربها أم من سبيل إلى نصربن حجاج
ونحوه فتنبه لمواطن استعماله فإنه من مهمات الفصاحة. قوله :( لآنه لن نؤمن الخ ) يعني
قوله لن نؤمن لكم استئناف لبيان موجب لا تعتذروا، وكذا قوله قد نبأنا الله استئناف آخر لبيان موجب لن نؤمن لكم كأنه قيل لا تعتذروا فقيل لم لا نعتذر فقيل لأنا لن نؤمن لكم أي نصدقكم في عذركم فقيل


الصفحة التالية
Icon