ج٥ص١١٤
كان الحيض قبلى البشارة لم تنكر الحمل والولاد، لأنّ الحيض معيارها، ودفع بأن الحيض في غير أوانه مؤكد للتعجب أيضا، ولأنه يجوز أن تظن أن دمها ليس بحيض بل استحاضة، فلذا تعجبت، وقوله :
وعهدي بسلمى ضاحكافي لبابة ولم تعدحقاثديها أن تحلما
معناه إنه قريب العهد بها طفلة يصف صغر سنها، فعهدي مبتدأ وخبره محذوف أي قريب، وقوله : ضماحكا لم يؤنثه لاختصاصه بالنساء كحائض وطامث، ولبابة بباءين موحدتين في النسمخ، ولم يضبطوه لكن منهم من فسره بثوب يغطي به، ومنهم من فسره بجماعة النساء، وقيا! : إنه اسم موضع، ولم يعد أي يجاوز، وحقا تثنية حق وبه يشبه الثدي في الصغر،
وتحلما أصله تتحلما أي يظهر حلمته وتكبر، وهي رأس الثدي، وفي نسخة تحلبا بالباء كأنّ معناه خروج لبنهما. قوله :( وقرئ بفتح الحاء ) قرأها محمد بن زياد الأعرابي، وقيل : إنه معروف في اللغة، وقيل : إنه مخصوص بضحك بمعنى حاض. قوله :( نصبه ابن عامر وحمزة وحفص! بفعل يفسره ما دل عليه الكلام ) هذه القراءة بفتح الباء فتحتمل النصب والجرّ بالفتحة لعدم صرفه، فاختلف القائلون بالنصمب فقيل : إنه معطوف على بإسحق، على توهم نصبه لأنه في معنى ووهبنا له إسحق فيكون كقوله :
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولاناعب إلا ببين غرابها
فهو من عطف التوهم كما توهم الشاعر وجود الباء، فهذا عكسه لكن هذا غير مقيس، وقيل : إنه منصوب بفعل مقدر، أي وهبنا يعقوب، ورجحه الفارسي رحمه الله، إلا أنه قيل عليه إنه على هذا غير داخل تحت البشارة، ودفع بأن ذكر هبة الولد قبل وجوده بشارة معنى، وقيل هو منصوب عطفا على محل بإسحق لأنه في محل نصب، والفرق بينه وبين عطف التوهم ظاهر، وذكر المصنف رحمه الله وجهين، وترك الأول المذكور في الكشاف إشارة إلى أنه شاذ لا ينبغي التخريج عليه مع وجود غيره. قوله :( أو على لفظ إسحق وفتحته للجرّ فإنه غير مصروف ا للعلمية والعجمة وعلى هذا هو داخل في البشارة، وقوله : ورذ الخ، في الدر المصون إن هذا رذ للوجهين المحكيين بقيل، وسياق المصنف هـ حمه الله ظاهر فيه، ولذا فسره به المحشي رحمه الله، لكنه قيل عليه إنه رذ للثاني فقط، يعني يرذه الفصل بين المعطوف وهو يعقوب والمعطوف عليه وهو إسحق بالظرف، وهو من وراء إلص !حق لوجود الفصل بينهما، لكن لا من حيث إنه فصل بين المتعاطفين، بل للفصل بين العاطف النائب مناب العامل، وهو حرف الجرّ هنا فكما لا يجوز الفصل بينه وبين مجروره لا يجوز الفصل بين المجرور وما قام مقام الجار، فلا بد من تقديم المجرور أو إعادة الجار، وهذا المحذور في الجرّ لا في العطف على المحل وفيه نظر، وأورد على العطف على المحل إنه إنما يتأتى إذا جاز ظهور المحل في فصيح الكلام كقوله :
ولسنا بالجبال ولا الحديدا
وبشر لا يسقط باؤه من المبشر به في فصيح الكلام، وقوله : ما عطف عليه بالبناء للفاعل، يعني الواو فلا يرد أن الفصل بينه وبين المعطوف عليه غير ممتنع. قوله :( وقرأ الباقون بالرفع الخ ) وخرّجت قراءة الرفع على وجوه، على أنه مبتدأ خبره الظرف ومتعلقه مولود، أو
موجود كما قدّره، وقدره غيره كائن والجملة حالية أو مستأنفة، وقيل إنه فاعل للظرف وهذا على مذهب الأخفش كما قاله المعرب، وقيل : إنه على مذهب الجمهور لاعتماده على ذي الحال، وهو وهم لأنّ الجار والمجرور إذا كان حالاً لا يجوز اقترانه بالواو فتأمّل، وقيل : إنه مرفوع بيحدث مقدرا. قوله :( وقيل الوراء ولد الولد الخ ) قال الراغب رحمه الله : يقال وراء زيد كذا لمن خلفه، نحو قوله :﴿ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ ﴾ فمن فسره بهذا أراد أنه يخلفه ويكون من جهته والا لم يكن وراءه فهو مجارّ ظاهر فلا يرد عليه قول الإمام إنه تعسف لا دلالة للفظ عليه، وهو معنى قول المصنف رحمه الله وفيه نظر، وان أراد أن الوراء مطلقاً بمعنى ولد الولد فاللغة تأباه، فحصل معناه أنه ولد ولد إبراهيم من جهة إسحق لا من جهة إسماعيل عليهم الصلاة والسلام وتبشيرها به إشارة إلى أنها تعيش حتى ترى ولد ولدها. قوله :( ليس من حيث أنّ يعقوب عليه الصلاة والسلام وراءه ) يعني على هذا التفسير لأنه ليس ولد ولد إسحق، بل ولد ولد إبراهيم عليهم