ج٥ص١٢٤
قوله :( بسعة تغنيكم عن البخس! ) السعة بكسر السين وفتحها اتساع الرزق والغنى، والبخس النقص والهضم فالمراد بالخير الغنى الذي لا يحتاج معه إلى تنقيص الحقوق أو النعمة التي ينبغي شكرها، ومن جملة الشكر التفضل على الغير وأجل شكر النعم الإحسان فبخس الحقوق تعكيس لمقتضى النعم، وقوله وهو في الجملة أي على الوجوه الثلاثة والخير له معنيان والثالث كالأول لكن المقصود منه يختلف. قوله :( لا يشذ منه أحد ) أي لا يخرج منه ويسلم لأنّ إحاطة اليوم تكون بإحاطة ما فيه، وشموله أو هو استعارة للإهلاك كما مرّ وسيأتي. قوله :
( وتوصيف اليوم بالإحاطة وهي صفة العذاب الخ ) يعني أنّ المراد في الحقيقة إحاطة العذاب، وشموله فهو صفة له ولذا جعله بعضهم صفة عذاب لكنه جرّ للمجاورة فوصف به اليوم لاشتماله عليه بوقوعه فيه فهو مجاز في الإسناد كنهاره صائم، وفي الكشاف إنّ وصف اليوم بالإحاطة أبلغ من وصف العذاب بها لأنّ اليوم زمان يشتمل على الحوادث فإذا أحاط بعذابه فقد اجتمع للمعذب ما اشتمل عليه منه، قال العلامة : يعني أنّ اليوم زمان جميع الحوادث فيوم العذاب زمان جميع أنواع العذاب الواقعة فيه فإذا كان محيطاً بالمعذب فقد اجتمع أنواع العذاب له كما جمع الشاعر الأوصأف :
في قبة ضربت على ابن الحشرج
فوقوع العذاب في اليوم كوجود الأوصاف في القبة وجعله اليوم محيطاً بالمعذب كضرب
القبة على الممدوج فكما أنّ هذا كناية عن ثبوت الأوصاف له كذلك ذاك كناية عن ثبوت أنواع العذاب للمعذب، وأمّا وصف العذاب بالإحاطة فهو استعارة الإحاطة لاشتماله على المعذب فكما أن المحيط لا يفوته شيء من أجزاء المحاط لا يفوت العذاب شيء من أجزاء المعذب فهذه استعارة تفيد أن العذاب لكل المعذب، وتلك كناية تفيد أن كل العذاب له فهي أبلغ والمصنف رحمه الله تعالى كلامه مخالف له، ولك أن تتكلف تنزيله عليه. قوله :( صرّح بالأمر بالإيفاء الخ ( يعني أنّ النهي عن النقصان أمر بالإيفاء فما الداعي لذكره ووجهه أنه لا يتحقق الانتهاء المطلوب دون الإيفاء فيكون مطلوبا تبعا، وهذا مسلم على المذاهب جعل النهي عن الشيء عين الأمر بالضد أو مستلزماً له ضمنا، أو التزاماً وذلك لأن خلافهم في مقتضى اللفظ لا أنّ التحريم أو الوجوب ينفك عن مقابلة الضدّ وذكر في الكشاف لذكره فوائد كالنعي بما كانوا عليه من القبيح مبالغة في الكف، ثم الأمر بالضد مبالغة في الترغيب واشعاراً بأنه مطلوب أصالة، وتبعاً مع الإشعار بتبعية الكف عكسأ وتقييده بالقسط قصراً على ما هو الواجب، ثيم إدماج إنّ المطلوب من الإيفاء القسط، ولهذا قد يكون الفضل محزما في الربويات، وما قيل إن النهي عن نقص حجم المكيال وصفحات الميزان والأمر بإيفاء المكيال، والميزان حقهما بأن لا ينقص في الكيل أو الوزن وهذا الأمر بعد مساواة المكيال، والميزان للمعهود فلا تكرار كيف، ولو كان تكريراً للتأكيد والمبالغة لم يكن موضع الواو لكمال الاتصال بين الجملتين فليس بوارد، أمّا الأوّل فلأنّ المكيال والميزان شاع فيما يكال ويوزن به حتى صار كالحقيقة مع أنّ اللفظ واحد فيهما فحمله في أحد الموضعين على أحد معنيين متغايرين خلاف الظاهر، وأمّا التكرار الذي هرب منه ففي ضمنه من الفوائد ما جعله أقوى من التأسيس، وأمّا العطف فيه فلأنه لاختلاف المقاصد فيهما جعلا كالمتغايرين فحسن العطف وقد صرّج به أهل المعاني في
قوله تعالى :﴿ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ ﴾ [ سورة البقرة، الآية : ٥٠ ]. قوله :( مبالغة ) أي في الترغيب، والزيادة التي لا يتأتى الإيفاء بدونها لازمة لأنّ ما لا يتم الواجب إلا به واجب فلا ينافي قوله من غير زيادة ولا نقصان، وقوله فإنّ الازدياد إيفاء أي زيادة على الوفاء المأمور به، وكان عليه أن يعبر بما هو أظهر منه، وقوله وقد يكون محظوراً أي ممنوعا كما في الربويات. قوله :( تعميم بعد تخصيص ) أي بعد ما ذكر المكيل والموزون أتى بهذا تذييلا، وتتميما له لشموله الجودة والرداءة وغير المكيل والموزون، وقوله فإنّ العثو يعمّ تنقيص الحقوق وغيره بالنصب على تنقيص لأنه مطلق الفساد، وفعله من باب رمي وسعي ورضي. قوله :( وقيل المراد الخ ( عطف على قوله تعميم بعد تخصيص فإنه حينئذ لا يكون كذلك، وقوله : كأخذ العشور عاي المخالف للشرع، وكذا أخذ السمسار ما لا يرضى به، وقوله والعثو بالرفع