ج٥ص١٢٨
( وأن بصلتها ثاني مفعولي جرم الخ ) وشقاقي فاعله، وعلى قراءة الضم من الأفعال، وهمزته لنقله من التعدية إلى واحد إلى اثنين، ونهى الشقاق مجازاً وكناية عن نهيهم عنه، وفيه مبالغة لأنه إذا نهى، وهو لا يعقل علم نهي المتشاقين بالطريق الأولى. قوله :
( والآوّل أفصح ) أي جرم أفصح من أجرم، وقوله فإن أجرم أقل دورانا الخ. إشارة إلى أنّ الفصاحة هنا ليست بمصطلح أهل البيان بل بمعنى كثرة الاستعمال وأهل اللغة حيث ذكروه إنما يريدون هذا المعنى قال في الكشاف والمراد بالفصاحة أنه على ألسنة الفصحاء من العرب الموثوق بعربيتهم أدور، وهم له أكثر استعمالاً فلا يتوهم اشتمال القرآن على لفظ غير فصحيح. قوله :) وقرئ مثل بالفتح لإضافتة إلى المبنئ ا لأن مثل، وغير مع ما وأن المخففة، والمشدّدة جوّزوا بناءهما على الفتح كالظروف المضافة للمبنيئ كما بين في النحو، وقيل إنه منصوب صفة مصدر محذوف أي إصابة مثل إصابة قوم نوح عليه الصلاة والسلام، وفاعل يصيب ضمير مستتر يعود على العذاب المفهوم من السياق، وهو تكلف وعلى الأوّل مثل هو الفاعل. قوله :( لم يمنع الخ ) هذا من قصيدة لبعض العرب اختلف فيه فقيل هو أبو قيس بن رفاعة الأنصارفي، وقيل إنه رجل من كنانة وقيل إنه للشماخ ومنها :
ثم ارعويت وقد طال الوقوف بنا فيها فصرت إلى وجناء شملال
تعطيك مشيا وارقالاً ودأدأة إذا تسربلت الآكام بالآل
لم يمنع الشرب منها غيرأن نطقت حمامة في غصون ذات أوقال
وضمير منها راجع لوجناء، وهي الناقة، والا وقال جمع وقل وهي الحجارة أو شجرة المقل أو ثمره، والمراد أن سماعها صوت الحمامة على بعد لشدة حسها يفزعها فيمنعها من الشرب أو يطربها فيلهيها عنه لأنّ الإبل شديدة الحنين إلى الأصوات المغرّدة، وقيل إنّ فيه قلبا أي لم يمنعها من الشرب، وكذا في غصون ذات أو قال في بعض معانيه، والشاهد في غير فإنه مبنيّ على الفتح. قوله :) زماناً أو مكاناً الخ ( أي المراد بالبعد المنفيّ الزماني أو المكاني أي لا يمنعكم من الاعتبار قدم عهد، ولا بعد مكان فإنهم بمرأى، ومسمع منكم أو البعد معنوقي أي ليس ما اتصفوا به بعيداً من صفاتكم فاحذروا أي يحل بكم ما حل بهم من العذاب كما قال بعض المتأخرين :
فإن لم تكونوا قوم لوط بعينهم !ط قوم لوط منكم ببعيد
وجعل زمانا، ومكانا تمييزاً، ولم يجعله كما في الكشاف في تقدير بزمان أو مكان بعيد
فقيل هربا من الأخبار بالزمان عن الجثة الذي أورد عليه أنه إذا أفاد جاز الإخبار كما صرّحوا به، وهو مقيس هنا فليس ببعيد قال في الألفية :
ولا يكون اسم زمان خبرا عن جثة وإن يفد فأخبرا
قوله :( د إفراد البعيد الخ ) يعني أنّ الأخبار ببعيد غير مطابق له لا لفظاً ولا معنى أمّا لفظا
فلأنه اسم جمع وهو جميعه مؤنث على ما اختاره الزمخشريّ لأنّ قوم إذا صغر يقال فيه قويمة ومعناه الجمع فالقياس ببعيدة أو ببعداء وقال الجوهرفي والقوم يذكر ويؤنث لأنّ أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت للآدميين تذكر وتؤنث مثل رهط ونفر، وقوم قال تعالى :﴿ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ ﴾ [ سورة الأنعام، الآية : ٦٦ ] فذكر، وقال تعالى :﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ﴾ [ سورة الشعراء، الآية : ٠٥ ا ] فأنث وان صغرت لم تدخل فيها الهاء، وقلت نفير وقويم ورهيط وإنما يلحق التأنيث فعله وتدخل الهاء فيما يكون لغير الآدميين مثل إبل وغنم لأنّ التأنيث لازم له وبين الكلامين بون بعيد وعليه فلا حاجة له إلى التأويل هنا من تقدير في الأوّل كإهلاك أو في الثاني كشيء أو مكان أو زمان أو أنّ فعيل المصدر يستوي فيه المذكر، والمؤنث فأجرى هذا مجراه. قوله :( عظيم الرحمة للتائبين الخ ) العظيم مأخوذ من صيغة المبالغة، ولم يفسره بكثير الرحمة باعتبار المرحومين أو أنواع الرحمة لأنّ هذا أبلغ إذ عظم الرحمة لكل أحد منهم مستلزم للكثرة، وقوله فاعل بهم الخ إشارة إلى أنه مجاز باعتبار غايته لأنّ الموذة بمعنى الميل القلبيّ لا يصح وصفه تعالى بها، ويجوز أن يكون كناية عند من لم يشترط إمكان المعنى الأصلي، ولا يناسب تفسيره بمودود، وان كان حقيقة لعدم المبالغة فيه، وقيل رحيم ناظر إلى الاستغفار لأنه لكرمه يرحم من